في علوم التسويق يبرز مصطلح تسويقي مهم هو الاحتفاظ بالعميل Customer Retention ، وهو يعبر عن قيام الشركة بالمحافظة على عميلها الحالي الذي ، وسبق له أن قام بتجريب منتجاتها ، وله تعاملات جيدة وخبرات إيجابية معها. فزيادة معدل الشراء ، وضمان استمراريته مع الشركة، وعدم هروبه لمنتجات المنافسين عنصر أساسي في التخطيط المستقبلي ونجاح التسويق على المديين القصير والطويل .
مناسبة تلك المقدمة هو تصريح هيئة تنشيط السياحة باستهداف 10 أسواق سياحية تلائم ظروفها للوضع الوبائي في الأردن. ومن واقع البيانات المتاحة فإن جميع الأسواق السياحية التقليدية للمنتج السياحي الأردني ينتشر فيها وباء كورونا بشكل مفزع ، ونقصد بهذه الأسواق معظم الدول العربية الخليجية، والدول الأوربية ، والولايات المتحدة ، ولا اعتقد أن أي من تلك الأسواق السياحية التقليدية هي أسواق مشابهة للوضع الوبائي في الأردن .
الانتقال في هذه الظروف إلى أسواق أخرى جديدة سيرتب كلف تسويقية إضافية على الهيئة وعلى وزارة السياحة ، وفي علم نفس سلوك المستهلك؛ فإن الذهاب إلى أسواق جديدة يعني أن المنتج المعروض سيكون في المرحلة الأولى من دورة الحياة - التقديم- ، وهذه المرحلة تسعى بالأساس إلى نشر المنتج السياحي والتعريف بالأردن وبمنتجاتها السياحية ، والمزايا الجاذبة التي تجعل السائح يقبل القدوم للأردن دون غيرها من الأسواق السياحية، وبالعادة تكون هذه المرحلة طويلة نوعاً وتستهدف جميع شرائح السوق السياحي، حيث يرتب ذلك تكاليف باهظة في الإعلان والترويج ، تمهيداً لنقل العميل إلى مرحلة الإقتناع والشراء الفعلي للمنتج .
فكما تشير المعلومات أن تكلفة جذب العميل الجديد يحتاج إلى 5 أضعاف المبالغ التي تنفق للاحتفاظ بسائح الذي زار الأردن مسبقاً . لذلك الانتقال من مرحلة الوعي بالمنتج السياحي إلى مرحلة جذب الاهتمام ومن الشراء والقبول بزيارة الأردن، لن يتحقق خلال الموسم السياحي القصير الذي تستهدفه الوزارة ، وهذا بافتراض ثبات العوامل الأخرى التي قد تؤثر على مزاجية السائح الجديد مثل قلة معلوماته عن الوضع الوبائي في الأردن ، ووجود بدائل سياحية أكثر أمناً وأقل تكلفة مالية وصحية ، وحتى وإن كانت تلك الأسواق مشابهة للوضع الوبائي المحلي ، لكنها تفتقر إلى القوة الشرائية التي تسعى الحكومة الحصول عليها.
كنا وما زلنا نتخبط في الملف الاقتصادي ولا اعتقد أن الملف السياحي بمنأى عن ذلك ، فالأسواق التقليدية للمنتج السياحي يجب أن تكون هي الوجهة المستهدفة في هذه الأوقات حتى لو كان الوضع الوبائي فيها لا ينسجم مع تطلعات الحكومة ، لأنه بالأخير تبحث الهيئة عن سائح سليم صحياً وخالي من الوباء ، ويمتلك القدرة المالية لشراء المنتج السياحي الأردني . الأصل هو البحث عن السائح الذي يحقق الشروط السابقة على الأقل في الوقت الحالي ، والبناء على تجربته السياحية السابقة للأردن .
الحكومة ما زالت تحكم الإغلاق على الأنشطة المحلية التي تسيطر عليها وتخشى حدوث تجمعات فيها حال فتحها ، مع العلم بأنها تتعلق بالمواطن المحلي الذي يقع تحت سيطرة لجان التقصي الوبائي في المملكة ، ورغم ذلك فهي تشكك في وعيه وتتنبأ بإمكانية حدوث الاختلاط وعدم التباعد ، وهذا في الوقت الذي تسعى إلى فتح الباب على مصراعيه أمام مجموعات سياحية خارجية، لا تتجاوز مدد إقامتها أيام قليلة ، قد لا تمكنها او التأكد بجميع فحوصات كورونا أو البروتوكلات العلاجية التي تنتهجها.
للمستهلك السياحي سيكولوجية مختلفة عن العميل التقليدي ، فالأيام السياحية قصيرة جداً ، ورغبة السائح بمنتج سياحي غير تقليدي ومتنوع - ليس فقط فندق ووجبات طعام- ، كما أن تشجيع السائح على تكرار القدوم للأردن جميعها عناصر مهمة في خطط التسويق السياحي. الزيارة الأولى لأي دولة تعطي الانطباع الأول بالعودة من عدمها ، وزيارتك لتركيا أو ماليزيا تضمن الرغبة الأكيدة بتكرار العودة في المستقبل، وهذا جزء أساسي لتعظيم الاستفادة من ما يعرف بكلمة الفم الإيجابية خاصة في الظروف الصعبة والطارئة .
ضرورة تطوير الفكر السياحي وتعزيز الابتكار في الترويج السياحي ، واستخدام المؤثرين والجماعات المرجعية أساليب جديدة يمكن البناء في السياحة . على فكرة طوال عملي خارج الأردن لم أسمع بسائح عربي زار الأردن ورغب بزيارتها مرة أخرى ، كما أن فيديو قام بتصويره شاب سعودي السنة الماضية في فترة الربيع أثناء زيارته لعجلون ، حقق مشاهدات وصلت لما يزيد على مليون سعودي ، عجزت كل خطط السياحة المحلية من الوصول إليهم .