ليس هذا خطاباً موجهّاً "لأحد" ولكنه يخاطب كل "أحد".
تقول الأدبيّات البدهيّة عن "المسؤوليّة" أن من يتولاها فهو "مسؤول". أي أنه محاسب ومراقب وخاضع للمساءلة. ويجب عليه أولاً أن يُدرك أن هناك عقداً بينه وبين الناس، وعليه أن يلتزم به. وأن أي خرق أو تعدي أو تهاون أو إخلال أو إغفال أو تقصير يجعل هذا "المسؤول" في مواجهة المواطنين.
ولكن الغريب أننا قد ذهبنا، نحن المواطنون، في تداولنا الثقافي والاجتماعي والسياسي، لمفهوم كلمة "مسؤول" إلى قلب الفهم والمعنى. حيث صرنا إذا أردنا أن نقول إن فلاناً مهاب الجاه، وله السلطة، وهو مهم وتجب طاعته، نطلق عليه لقب "مسؤول". فنقول هذا مسؤول كبير، وذلك منزل المسؤول، وتلك سيارة المسؤول، واؤلئك أبناء المسؤول. بل ورحنا نجوب الأرض نبحث عن شخص يعرف إبن أخت المسؤول ليدخلنا إلى بيت والدته التي ستترجى لنا أخاها.
"المسؤول" يا سادتي، إسم مفعول وليست إسم فاعل. أي أنه تحت "المساءلة"، وأننا جميعاً قادرون على أن نسأله، وأن عليه أن لا ينام الليل إلا وقد أنجز ما أوكلنا إليه على خير وجه.
في الفهم العام فقدنا الإتجاه مع أن ديننا الحنيف قد ركز على ضرورة فهم كلمة "المسؤول" على وجهها الصحيح قال تعالى: "وقفوهم إنهم مسؤولون" وقال جلت قدرته " (فلنسألن الذين أُرسل إليهم ولنسألن المُرسلين)" أي حتى الأنبياء هم معرّضون للمساءلة. وقال ربنا العظيم: "إن العهد كان مسؤولاً".
اذن فإن الله قد حدد معنى "المسؤول" بأنه ذلك الشخص الذي أوكلت له مهمة، وأُعطي الصلاحية لإنجازها، ولكنه في كل مراحل إشغاله لوظيفته يظل تحت طائلة المساءلة والمراقبة. إلا أننا، كما ذكرت، فقدنا الفهم لمعنى "المسؤول" وعكسنا اسم المفعول ليصبح اسم فاعل. وتجاوزنا في غيّنا حتى التوصيف القرآني. وأدرنا عقولنا ومقارباتنا وفهمنا نحو الحائط،. وأصررنا على أن "المسؤول" هو شخص مهم يجب أن نقف على أعتابه، وما أن نراه حتى ننحني حتى تتقوس أعمدتنا الفقرية، ونروح نعطّر أقدامه بكل أنواع الورد والياسمين، ونطلب من نسائنا أن ترخي جدائلها ليصنع لعبة لأطفاله.
"المسؤول" عندنا هو الشخص الذي يملك القرار، وله صلاحيّة التنفيذ، وبين يديه سلطة العقاب لكل من يحاول أن يرفض له أمراً أو حتى أن يفكر في الاستفسار أو المراجعة.
"المسؤول" عندنا اسم فاعل، فهو المُهاب ولذلك ترى الناس تتراجع عن دربه إذا سار، وتنفض الغبار إن علق على حوافر حصانه أو ذيل حماره.
"المسؤول" عندنا إسم فاعل حتى لو أخطأ أو أهمل أو ارتشى أو سرق أو ظلم أو زوّر أو غفل أو تقاعس أو مارس الفساد أو ارتكب الفاحشة، إن عمل أي من هذه، أو عملها كلها مجتمعة فإنه لا يُسأل لأنه مسؤول أي أنه إسم فاعل.
أما إسم الفاعل الحقيقي وهو السائل أي المواطن، فإنه يجب أن يخضع وأن يسمع وأن يطيع وأن ينفذ وأن يصدع بما يؤمر، وإن أراد أن يستعمل معنى الكلمة أو وصفها أو دلالتها فإن ذلك لن يفيده شيئاً، فهو إسم مفعول طالما اسمه "السائل" لأن المسؤول هي اسم الفاعل.
أسأل الله أن يرحم ويُسامح الخليل بن أحمد والفراهيدي والمتنبي والبحتري وأبا تمام وسيبويه، وكل أساطين اللغة الذين ضحكوا علينا وخدعونا لقرون طويلة عندما قالوا لنا إن "مسؤول" هي اسم مفعول.
سادتي أهل العلم اللغوي وأهل الفقه اللغوي وأهل النحو وأهل البلاغة وأهل البيان أنتم غَلطتهم بحقّنا عنما "ورطتمونا" وطلبتم منا أن نحفظ عن ظهر قلب أن "مسؤول" هي اسم مفعول.لا يا سادتي كل ما قلتموه خطأ فهي إسم فاعل ونحن كلنا إسم مفعول. وإن أردتم أن تتأكدوا من ذلك فاخلعوا أكفانكم وزوروا اية وزارة أو دائرة عندنا، عندها فقط ستدركون حجم الضرر الذي الحقتموه بنا، عندما ضُربنا على رقابنا لأننا اسأنا الأدب مع "المسؤولين" فسألناهم وحاولنا أن نمارس إسم الفاعل في كلمة سائل!!!!