اليوم سأخرج عن الرتم وأغرد خارج السرب بعيدا عن ما تعود عليه القارىء الكريم من مقالات خاصة بي بت أتهم معها بأنني معارضة لكل ما يجري، لأتناول موضوعا ليس المقصود منه الدفاع عن قرار وزير ما، بقدر ما هو إعتراف بقدرات فذه قد تكون دفينة لكنها بحاجة إلى من يعطيها الفرصة للخروج من عنق الزجاجة والظهور إلى العلن وإثبات قدرتها التي قد تتفوق فيها على أقرانها من الرجال.
ما سأتناوله اليوم هو قرار وزير الداخلية بتعيين إمرأة محافظا لإحدى محافظات الوطن، وأقصد هنا عطوفة المحافظ رابحة الدباس التي تم تعيينها مؤخرا محافظا لمدينة عزيزة على قلوبنا وهي مدينة جرش الخالدة في التاريخ، رغم علمي بما سيجره علي ذلك من تعليقات ساخرة على إيميلي الخاص.
أذكر جيدا أنني تناولت هذا الموضوع مع صديقي العزيز الدكتور بلال السكارنة الذي أبدى وجهة نظر مختلفة حيال هذا الموضوع، نابعة من قراءة خاصة بمجتمعنا الذي نعيش فيه، لا نملك معها إلا أن نحترم وجهة نظره إتفقنا معه أم إختلفنا، فالإختلاف لا يفسد للود قضية، خصوصا إذا كان هذا الإختلاف مع مثقف يمتلك ناصية الحوار بإسلوب علمي بحت نابع من علمه وثقافته التي نعتز ونفتخر بها، مثلما هو نابع من إنتمائه العشائري العريق الذي تربطني به كل وشائج المحبة والقربى والنسب.
أعلم أن إعتراض الصديق يكمن من واقع غيرته وحرصه على واحدة من بنات الوطن، حيث أنها تخوض غمار تجربة قد تكون قاسية بنظره، نظرا لتركيبتها الفسيولوجية ولطبيعة المجتمع الذي نعيش فيه وننتمي إليه، وأنا هنا لست بصدد الحديث عن ذلك المجمتع الذي قد يطول البحث فيه ،بقدر ما أنا معني بالوقوف إلى جانب المرأة الأردنية ذات العقلية الفذة التي أثبتت تفوقا في مجالات عدة نافست أقرانها الرجال فيها.
أريد فقط ان أذكر بالمرأة الأردنية التي كانت يدها مع الرجل إن لم تكن قبله فيما مضى من السنين، وأنجبت القادة في الحقل، مثلما أريد التذكير بأن المراة هي المجتع بأكمله لا نصفه كما يدعون، ولا أريد أن أعرج على مشاركتها في الكثير من الأمور التي كانت على درجة من الأهمية في مجالات متعددة وحققت الكثير مما يعجز عنه الرجال.
ولن أتناول نساء العصر القديم اللواتي تسلمن مواقع المسئولية الاولى في الدولة، وخضن الحروب وحققن ما يعجز عنه الرجال، رغم عدم توفر أي وسيلة من الوسائل التكنولوجية التي نملكها اليوم، وسأكتفي فقط بالتذكير بزعيمة الهند الأولى أنديرا غاندي التي كرست حياتها دفاعا عن بلادها ودفعتها غاليا في سبيل ذلك، وها هي المرأة الحديدية تاتشر طافت العالم وقارعت الملوك والرؤساء خلال تسلمها للمهام الأولى في بريطانيا العظمى.
أما القصة التي أرغب في سردها على مسامعكم فهي متعلقة بوزيرة الخارجية الاميريكية هيلاري كلنتون والتي وردتني فيما مضى من غابر الايام على الإيميل، علها تكون باعثا على الامل في التغيير المنشود.
تقول الحكاية، أن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلنتون، وزوجته هيلاري، توقفا عند إحدى محطات التزود بالوقود، وحينما توجها إلى ناظر المحطة لدفع المبلغ المطلوب، فوجئت هيلاري بشخص كبير في السن يحييها بحرارة، فإذا هو زميل قديم كان يواعدها أيام الجامعة وطلب منها الزواج. وبعد أن غادرا قال لها الرئيس كلينتون «هل كنت تواعدين هذا الشخص؟!» فقالت: نعم. فرد عليها ساخرا «تصوري لو أنك قبلت به زوجا لأمضيت حياتك كلها زوجة لناظر محطة للتزود بالوقود»، فردت عليه بنبرة واثقة «بل لصنعت منه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية وربما كنت أنت ناظر المحطة»!
وبعد عزيزي، فإن المطلوب منا أن نتغير نحن كمجتمع نحو الأفضل، وأن نخرج من دوامة المنازعات العشائرية التي باتت الشغل الشاغل ليس للمحافظ وحده، بل لجميع فئات المجتمع وشرائحه، وأستنزفت الكثير من قدرات الدولة والمواطن، وعادت بنا إلى زمن داحس والغبراء من جديد.
بقي أن أشكر معالي الوزير على قراره الجريء، راجيا لعطوفة المحافظ رابحة الدباس كل التوفيق والنجاح في مهمتها الصعبة.
kalilabosaleem@yahoo.com