كيف ستوفر الصين الغذاء لـ 1.4 مليار نسمة بعد «كورونا»؟
23-06-2020 07:56 PM
عمون - عندما خلت أرفف المتاجر من البضائع لفترة قصيرة في بداية أزمة جائحة فيروس "كورونا"، عادت قضية ضرورة الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية لتفرض نفسها على أغلب شعوب العالم، وبخاصة الصين التي تعتبر توفير الغذاء لشعبها البالغ تعداده نحو 1.4 مليار نسمة، أولوية سياسية منذ عقود.
وقد لا يكون تنويع مصادر استيراد المواد الغذائية حلاً مرضياً لمعسكر الصقور الذي يطمح إلى ضرورة الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية.
ولكن كارلا فيريرا ماركيز المحللة الاقتصادية والمتخصصة في مجال تجارة المواد الخام والمحاصيل الزراعية في وكالة بلومبرغ للأنباء، تشير إلى صعوبة تحقيق مثل هذا الهدف لأن الصين تضم حوالي 20% من عدد سكان العالم، ولكنها لا تملك أكثر من 10 في المئة من الأراضي القابلة للزراعة وأقل من 6% من موارد المياه العذبة.
ولفت خبير البيئة الأمريكي الشهير ليستر براون انتباه العالم إلى العواقب المحتملة للندرة في المواد الغذائية بطرحه لسؤال عمّن سيتمكن من توفير الغذاء للصين عندما تحقق النهضة الاقتصادية. ولا يمكن القول إن خوف المسؤولين في الصين من الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي قد تنجم نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء بلا أساس.
فقد كان ارتفاع الأسعار أحد أسباب الاحتجاجات الشعبية الدامية التي شهدتها الصين عام 1989 والتي عرفت باسم أحداث ميدان السلام السماوي (تيانن من).
في الوقت نفسه فإن استيراد المواد الزراعية يتأثر غالباً بالمشكلات الدبلوماسية بين الدول وهو ما يعني خطورة الاعتماد على الاستيراد.
الاكتفاء الذاتي
وفي هذه الحالة يظهر الشعار التاريخي البسيط وهو «الاكتفاء الذاتي»، وبخاصة من الحبوب مثل القمح والأرز والذرة بحسب كارلا فيريرا، التي ترى أنه من الصعب التخلي، ثم جاءت جائحة "كورونا" في 2020 ليشعر الجميع بالقلق من اضطراب سلاسل التوزيع، وعاد المسؤولون ليتحدثوا مجدداً عن خطط الاعتماد على النفس.
وقال لي كيشيانغ رئيس وزراء الصين أمام البرلمان الشهر الماضي، إن تأمين إمدادات الغذاء في البلاد أمر لا مناص عنه، في الوقت الذي تم تكريم المقاطعات الصينية المنتجة للحبوب وتم رفع الحد الأدنى لسعر شراء الأرز المحلي.
وتقول كارلا فيريرا إن هذا لا يعني أن الصين يمكنها إعادة عقارب الساعة إلى الوراء أي عام 1996 عندما أعلنت الصين سياسة صارمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ولا يعني أنها تعتزم ذلك.
فما تفعله الصين حاليا هو إعادة التوازن للموقف الرسمي بحسب توماس ديفيد دبوبس الأستاذ في جامعة بكين نورمال الصينية الذي نظم حلقة نقاشية عبر الإنترنت بعنوان «الصين تأكل».
وفي حقيقة الأمر تعتبر العودة إلى الماضي شبه مستحيلة، لآن الصين أصبحت عضوا في منظمة التجارة العالمية. كما أن الاستهلاك الغذائي لشريحة كبيرة من الصينيين زاد، وبخاصة استهلاك المواد البروتينية وهو ما يعني زيادة الحاجة إلى الحبوب لتوفير الأعلاف اللازمة لإنتاج اللحوم والألبان.
اعتماد خارجي
وفي حين تنتج الصين الأرز والقمح فإنها تعتمد على دول أخرى مثل الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين لشراء فول الصويا. كما لجأت إلى زيادة استيراد اللحوم لتغطية النقص الناتج عن انتشار حمى الخنازير الأفريقية، ما أدى إلى تراجع كبير في الإنتاج المحلي من لحوم الخنازير في العام الماضي.
والمؤكد أن تكلفة الطموحات المحلية بالنسبة لإنتاج الغذاء في الصين كانت باهظة.
فعلى الصعيد البيئي بلغ معدل استخدام الأسمدة الزراعية 4 أمثال المعدل العالمي، وتدهورت حالة التربة الزراعية واشتدت ندرة المياه. ثم تأتي التكلفة المالية.
فبحسب تقديرات البنك الدولي ارتفع دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي في الصين خلال الفترة ممن 2006 إلى 2010 بمقدار 7 أمثال، وفي عام 2010 أصبح الدعم الحكومي للمزارعين حوالي 17 في المئة من إجمالي الإيرادات الزراعية.
وأدى ارتفاع فاتورة الدعم الزراعي إلى جانب عوامل أخرى مثل الضغوط الدولية إلى تبني الصين سياسة أكثر توازنا في أواخر 2013 عندما زاد تركيز السياسة الصينية على الاستيراد والتنمية المستدامة والاستثمار في الخارج وتحديث القطاع الزراعي في الداخل.
وفي ظل الخلافات القوية مع واشنطن، تظل فكرة الاعتماد على الإنتاج المحلي لتوفير وجبة الأرز الشعبية في الصين، جذابة للكثيرين.
في الوقت نفسه تحذر أميرتا جاش الباحثة في مركز نيودلهي لدراسات حروب الأراضي من تصاعد مخاطر دخول الصين في نزاعات مع جيرانها، سواء بسبب الخلافات الحدودية كما هو الحال مع الهند أو بسبب إرسال أساطيلها الضخمة الصيد في أعالي البحار.