ارادة صفية وسبات الامة العربية
سهير جرادات
14-02-2010 11:44 AM
يفترض على الصحفي أن يفصل نفسه في أحيان كثيرة عندما يكتب ، حتى يتمكن من الكتابة بحياديه وموضوعية ، وهذه من المنهجيات التي أتبعها في عملي . إلى أن التقيت صفية فبهرتني بإرادتها وقدراتها الابداعية مقابل العطاء الالهي الذي منحها جسدا غير مكتمل الاطراف الا من قدم واحدة .
انقلبت الموازين لدي ، ونسيت القاعدة الصحفية ووجدت نفسي انغمس في شخصيتها وإبداعاتها بطريقة لم أتمكن من أن انفصل عنها والتوقف عن التفكير بحالتها التي جعلت منها إنسانة متفوقة على الكثيرين من الأصحاء ممن يمشون على هذه الأرض دون أن تحركهم إرادة أو قوة .
دعوني أحدثكم عن صفية عبدالله البهلاني التي تقبلت إرادة الله التي منحتها قدم واحده فقط ، وقطع لحمية صغيرة متدلية من كتفيها وفخذها الأيمن ،ولم تقف عندها بل حولتها بإرادتها القوية لاداة تخط بها الانتصارات .
قدمت صفية من سلطنة عمان لتدرس تخصصا تتحدى به عجزها عن استخدام يديها واصابعها التي اندملت داخل جسدها لتختار الرسوم المتحركة ذات الابعاد الثلاثية التي تعتمد على أستخدام الكمبيوتر.
لم تتوقف إرادة صفية عند ذلك ، فتجاوزت الحدود واقتحمت عالم الموسيقى لتعزف ألحانا جميلة محولة القاعدة الموسيقية من العزف بالأصابع إلى الاستعانة بكتفيها لتقفز عبر الكتلة اللحمية المتجمعة في يدها من زر إلى آخر وتشكل فيها أجمل الألحان .
التحدي الأكبر عند صفية ذهب الى أبعد من ذلك ، فأتقنت رياضة السباحة، التي تحتاج إلى قدرات ذهنية وبنية جسدية قوية، معتمده في ممارستها على كتفيها، و على قوة عضلات بطنها وقدمها الوحيدة بعد أن تنزع قدمها الحديدية الاصطناعية خوفا عليها من ان تصدأ .
هذه هي صفية تمسك بالقلم والريشة بطريقة تجعل اللحم يحتضنهما بحب لترسم أجمل اللوحات ، وأدق تفاصيل اليدين التي تفتقدهما ، و تكتب الشعر بحروف مغموسة بالألم الذي تواجهه يوميا من عيون الآخرين التي تنظر اليها بخوف واحيانا بنظرات الاستهجان والشفقة عليها .
وقفت حائرة أمام كل هذه الإبداعات ، غير مصدقة ما أراه ينتابني شعور بالعجز من تلك القدرات الهائلة التي جعلت من صفية تتفوق على أقرانها بالعقل والإرادة ، ومتسائلة ماذا فعلنا نحن من نعتقد أننا مكتملو العقل والجسد مقابل ما فعلته صفية وغيرها من أصحاب الإعاقات ؟ .
صفية إن لقاءك احدث لي نقطة تحول في حياتي ، لقد جعلتني إنسانة انظر إلى الحياة ، ليس بتلك الرتابة التي نسير عليها دون أن نضع عليها بصماتنا ... أشكرك يا صفية لقد منحتني بعضا من وقتك الثمين الذي طالما حرصت على قضائه بالجد والعمل والاجتهاد وتحقيق الانجازات المبهرة ،رغم قدراتك الجسدية القليلة التي جعلت منك انسانة هائلة بقدراتك الكبيرة لتكوني عبرة للآخرين في العطاء والعمل .. شكرا لك يا صفية لانني تعلمت منك كيف تستسلم الهزيمة وكيف يكون النصر ...
اننا نفتخر في العالم العربي كدول وشعوب بالانجازات التي نحققها ونعتقد أنها عظيمة لأننا لامسناها ووصلنا اليها بقدراتنا المكتملة ، إلا أنها تبقى بسيطة مقارنه بقدرات صفية وأمثالها ، فما نقدمه نحن يبقى قليلا ولا يضاهى بما تقدمه صفية وغيرها ممن ابتلاهم الله بالمرض والعجز .
فكم من شخص وما أكثرهم ممن يمتلكون سواعد مكتمله ، يستخدمونها في التزوير والعمل المشين ، وكم إنسان على هذه الأرض لديه قدمين يمشي بهما في طريق التخريب والعبث وخطا بهما طريق الضلال.
تشعر وأنت تتحدث مع صفية رغم الهدوء والطفولة اللتين تحيطان بنظراتها ، بأن وراء نظراتها القوية قدرة على تحريك الإرادات النائمة، فما احوجنا بالوطن العربي إلى قدرات صفية لتحريك الإرادات النائمة منذ سنيين .
فهنيئا لك أرادتك التي فاقت إرادة الدول العربية النائمة ، ونوما هنيئا للامة العربية على سباتها الذي لم يحرك ساكنا " .
Jaradat63@yahoo.com