حكاية الأولويات خداع لا نشتريه
جميل النمري
14-02-2010 04:17 AM
أتابع موضوع أمس وأوجه مجددا النداء لإخلاء سبيل الأستاذين موفق محادين ود. سفيان التلّ. وكنت أفضل أن يبقى الأمر في إطار صراع وجهات النظر مهما بلغ الاستياء من أحكام وتوصيفات وردت في حديثهما، فهي تظلّ وجهات نظر في الحقل السياسي والعام يتوجب دحضها وهزمها بالمستوى نفسه، وهذا ممكن وهو المهم، ولا يخدم هذه القضيّة وجودهما في الحبس بل العكس.
لكن الآن وقد اصبح هناك دعوى قضائية، فعلى الأقلّ نأمل بحرارة أن تستجيب محكمة أمن الدولة لطلب تكفيلهما على الفور.
ونعود للنقاش السياسي في ضوء ردود الفعل التي تلقيتها على مقال أمس. وأقدر خصوصا تعليق الأخوة عمر أبو رصاع وأحمد الجعافرة، اللذين صاغا الموقف برؤية ثاقبة لحيثيات إدانة بيان الـ78، وفي الوقت نفسه معارضة حبس اثنين من الموقعين عليه.
في المقابل، فإن وجهات نظر أخرى تتسلح بالسؤال الاستنكاري المعهود نفسه عن "مكافحة الإرهاب والتطرف الإسلامي في أفغانستان بينما إرهاب الصهيونية والتطرف اليهودي قتل من الأردنيين والعرب أضعافا مضاعفة ويهدد أولى القبلتين والإرهاب الأميركي ذبح مئات الآلاف من العرب وهتك أعراض نسائهم؟"
في الواقع، الموقف من القاعدة وأخواتها من الجماعات "الجهادية" المتطرفة بدأ مبكرا بمنطق التبرئة والتبرير، ثم انتهى عند ذريعة لا تقهر هي الإرهاب الصهيوني في فلسطين. بدأ بتبرئة الجماعات "الجهادية" من المجازر بافتراض ان وراءها أعداء الأمّة لتشويه صورة "الجهاد".
وأحيانا تبرير ما يحدث كرد فعل على الإجرام والإرهاب بحق أبناء الأمّة، ثم حين لا يعود ممكنا الدفاع عن هذا الإرهاب يتلقى الإسناد بحجّة الأولويات! فهل أولويتنا هذا الإرهاب أم الإرهاب الصهيوني الذي يحتلّ أرضنا ويستبيح عرضنا؟!
هذه والحقّ حجّة قوية تخزق العين، لكن أصحابها يعلمون في عمق صدورهم أنها مخادعة. فماذا تعني الأولويات؟! أولوية الأردن كله هي فلسطين، وفي حديث بثّته الـ"سي ان ان" قبل أيام كان الملك لا يترك موضوعا تثيره الأسئلة الا ويعود به رأسا الى القضية الفلسطينية، بما في ذلك الاسئلة عن مكافحة الارهاب وعن ايران ومشروعها النووي. وفي خطاب مشهود أمام الكونغرس، لم يتناول جلالته إلاّ موضوعا واحدا ووحيدا هو فلسطين. أمّا اذا كان القصد هو استبدال خيار السياسة بـ"المقاومة"، فهذه قصّة موازين قوى خضنا امتحانها على مدار عقود، ولو استلم الحكومة أصحاب البيان، لما أطلقوا طلقة، تماما كما تفعل حماس الآن!
الحسابات في الميدان غير ما يمكن تحميله على بيان! ولم تمنع "الأولويات" حماس من أخذ جماعات السلفية الجهادية بشدّة لا تضاهى فقوضت بيوتهم على رؤوسهم.
ظاهرة التطرف والإرهاب لم تنشأ كردّ على الاحتلال بل بدأت بأجندة داخلية (كالجهاد المصري مثلا) ثم تحوّلت دوليا مع الأفغان العرب، الذين تركوا أولوية فلسطين وذهبوا لجهاد الروس في افغانستان وتحولوا لاحقا إلى كارثة معاصرة على الإسلام والمسلمين يتقصدون الوحشية في قتل المدنيين الآمنين واستعراض القسوة أمام الكاميرات في جزّ رقاب المحتجزين البائسين المستسلمين.. حكاية الأولويات خداع لا نشتريه!
jamil.nimri@alghad.jo
الغد