ربيع السنين العجاف وحال العرب
د. زيد نوايسة
23-06-2020 12:09 AM
بعد ما يقارب العشر سنوات من دخول العالم العربي فيما سمي حقبة الربيع العربي يتضح أكثر أثر النتائج المأساوية.
وربما أن آخر تسمية تناسب ما جرى هي الربيع الذي ارتبط بالحياة والأمل بينما ما حدث فعليا خلاف ذلك بالمطلق: حروب أهلية وانهيار للدولة بمفهومها الوطني وإعادة احياء النعرات المذهبية والطائفية والعرقية واستقواء الجوار الإقليمي وتمدد نفوذه سياسيا وعسكريا وجغرافيا وانتهاء مفهوم الأمن القومي العربي الذي تغنى به النظام الرسمي العربي سنين طويلة.
ليست مبالغة ولا من باب إلقاء التسميات جزافا -فالمخرجات والنتائج تعطيها مدلولاتها ومعناها الواقعي- وإن التسمية الأصح هي الربيع الإسرائيلي والربيع التركي والربيع الإيراني وربما -ولو بدرجة أقل-الربيع الإثيوبي لاحقا الذي بدأت تطل ملامحه بعدوان مستمر على السودان واستعلاء في التعامل مع بلد بحجم ودور وأهمية مصر. فقد صار قرار أن تكون مصر هبة النيل كما وصفها قبل الميلاد المؤرخ اليوناني هيرودوت قرارا اثيوبيا مرتبطا بما يقرره رئيس الوزراء الأثيوبي «آبي أحمد علي» بعد الاستئناس بالحليف الإسرائيلي طبعا الحاضر دائما في كل ملفات إنهاك الحواضر العربية.
نجحت تلك السنين العجاف في تغييب مراكز صنع القرار عن الحضور والتأثير. فالعراق الغارق في مذهبيته مقسم بين الاحتلال الأميركي والنفوذ الإيراني وبقايا داعش والاستقواء التركي بحجة المكون الكردي الذي صار مبررا لاحتلال وتمدد تركي جديد. وبدل أن يكون العراق مركزا للتنمية والثروة وقاعدة للصناعة والتقدم التكنولوجي أصبح يرزح تحت وطأة ديون بمئات مليارات الدولارات دون أي بارقة أمل بالخروج من أزمته.
سورية التي أنهكتها سنوات الحرب والفتنة والظلام والإرهاب باسم الدين تارة وباسم الديمقراطية تارة أخرى سفك دمها بسخاء عربي لا حدود له تتناهشها القوى الكردية التي تسيطر على شمالها الشرقي حيث ثلثا ثرواتها النفطية والزراعية والمائية تحت حراسة المحتل الأميركي وبمبررات فزاعة داعش الحاضرة تحت الطلب دائما، إضافة لتمدد تركي واضح في الشمال الشرقي صار احتلالا وبموافقة أميركية ومنطقة آمنة في الشمال الغربي من إدلب وحتى جبال اللاذقية برعاية جبهة النصرة وأخواتها من الفصائل الباحثة عن الحرية والديمقراطية بحد السيف وسندا لفتاوى البغدادي والجولاني. ولا ننسى أن البقية الباقية واقعة تحت النفوذ الإيراني والروسي واكتملت بقانون قيصر لينهي أي أمل للسوريين بوطن قابل للحياة.
كل تلك المخرجات مكنت دولة الاحتلال من توظيف مشاريع الاستهداف الإقليمي لصالحها وهي حاضرة من شمال العراق وحتى اثيوبيا وصاحبة الرأي والدور والتأثير، ونجحت في أن تصبح القضية الأساسية «فلسطين» في آخر سلم الأولويات ليس فقط لدى أغلب الدول العربية بل لدى تيار واسع من الشعب العربي بما فيهم بعض أهل القضية. وصار أكثر من الطبيعي أن يمر خبر أي عدوان إسرائيلي دون اهتمام، أما قرار ضم أجزاء من الضفة الغربية فقاب قوسين أو أدنى، ولولا الصوت الأردني الرسمي الرافض والمجابه بصلابة لمر الأمر دون اكتراث.
كل هذا يجري والشارع العربي بأغلبية مثقفيه ونخبه منهمك في جدال عقيم حول أحقية الطموح التركي الذي يتحرك من شمال العراق وحتى شرق المتوسط في ليبيا متحدياً مصر وسورية والعراق لملء الفراغ الذي أحدثه انهيار العالم العربي ولو كلف هذا الأمر إعادة احياء العثمانية من جديد على حساب العالم العربي، وهناك من العرب مَن ما يزال يشتري هذه البضاعة بل يسوقها ويمولها عربيا.
العالم العربي شاهد زور على تصفيته وتقاسمه بين القوى الإقليمية المتصارعة لكنه فاعل في النقاش على جنس الملائكة ودم البرغوث.
(الغد)