يبدو أن فقر المواطن من جهة ، وبساطة البعض وسذاجته من جهة ثانية ، وضعف الرقابة الحكومية ، وغضها النظر عن ممارسات البعض من جهة ثالثة ، وعجز الطب أحيانا ، قد أدى إلى إطلاق أيدي من يدعى صورة من صور العلاج القديم تدعى الحجامة ، فأخذت هذه الأيدي تمارس عملا أقرب ما يكون للاحتيال منه إلى الطب .
لا أنكرعلاج الحجامة أو دورها في تخفيف بعض الأمراض والأعراض ، ولست فقيها أو عالما شرعيا لأحدد مدى صحة الأحاديث النبوية الشريفة التي يستتر بها مدّعو الطب بالحجامة ، لكني أستطيع القول أن ما يعلنه مدّعو إتقان هذا العمل عن قدراتهم هو من ضروب السذاجة ، فإمكانية تخفيف شراب مغلي الميرمية لبعض المغص لا يعني تأسيس وافتتاح المركز الوطني العربي للعلاج بالميرمية .
فوفق إعلانات تكاد لا تخلوا منها مدينة أو حي ، يدعي الشيخ فلان ( دائما شيخ ) ولا أعلم من أسبغ عليه هذا اللقب ، وكنيته " أبو فلان " أنه بعون الله يعالج أمراضا وفق قائمة طويلة يسرد فيها أمراضا تحتاج إلى فريق من الأطباء من ذوي الاختصاص بمساعدة من فريق تمريضي مؤهل ، ومختير تحليل وأشعة . مجرد جروح يجريها والشفاء تام من أمراض ضغط الدم والضعف الجنسي ، والأمراض النفسية ، والجهاز الهضمي ، وأمراض الجهاز العصبي ،والأمراض الجلدية ، والصداع رغم أن الصداع كما أعلم هو عَرض لمرض وليس مرضا بحد ذاته ، ولا تنتهي القائمة الطويلة التي تكاد لا تبقي ولا تذر من الأمراض إلا وضمنت الشفاء منها . إن كان الأمر كذلك لماذا يدرس الطالب 7 سنوات على الأقل لتبدأ بعدها رحلة التخصص ؟ لماذا تبنى كليات الطب والمستشفيات التعليمية ؟ لماذا تنفق الملايين ثمنا للدواء والتشخيص والجراحة ؟ والعلاج مجرد جروح يجريها الشيخ فلان الذي تلقى " علم " الحجامة خلال أيام أو أسابيع على يد " شيخ " آخر ؟.
لا يكتفي الشيخ فلان بسرد قائمة الأمراض التي يشفي الآخرين منها ، فلا يكتفي بالطب العلاجي ، بل يدخل في الطب الوقائي ، إذ أن حجامته تقي الناس من الأمراض التي يعالج منها. وتعميما للفائدة يذكر عددا من أرقام الهواتف الأرضية والنقالة لكل شركات الخدمة في الأردن ضمانا لسهولة الاتصال به وتحديد موعد معه . ولا يفوت الشيخ الوقور أن يحذر من المقلدين له ولعلمه ، ولا يفوته أن ينوّه بحصوله على دورة بالحجامة من مركز كذا ( النسخة العربية من مايو كلينك ) من دولة س الشقيقة ، ويختم إعلانه الطويل بتوزيع صكوك الغفران لقراء الإعلان إذ أن لهم أجرا عظيما عند رب العباد عندما يبلغون الناس بعمل هذا " الشيخ " أو بتصوير الإعلان وتوزيعه للفائدة .
إن وزارة الصحة مسؤولة عن من يمارس أعمالا طبية دون ترخيص ، ووزارة الداخلية مسؤولة عن أعمال الاحتيال ، وأمانة العاصمة والبلديات مسؤولة عن من يشوه أعمدة الكهرباء والهاتف والجدران بلصق الإعلانات عليها ، ودائرة المطبوعات مسؤولة عن نشر وتوزيع منشورات كأنها إعلانات ذات صفة البيع والشراء العادية وهي ليست كذلك .
وبعد ألا يزال هناك من يسأل لماذا سخطنا الله وسلط علينا من لا يرحمنا ؟ .
haniazizi@yahoo.com