أعتقد أنه قد حان الوقت لدينا لإطلاق مبادرة وطنية عنوانها " سكرّ إثمك " بمعنى أغلق فمك ، وهذه المبادرة حينما تطلق بشكل أريحي ورومانسي و يضفى عليها الصبغة الشعبية ويرتاح لها المواطن مالح الشفاه ، حينها سننصاع لها ، و نعلن للرحمن صوما أبديا عن أي كلام أو إشارة أو تصريح أو تلميح ، فنغلق الباب الذي يأتي منه الريح ، ونجلس لنستريح !
عني أنا شخصيا ، فقد مللت من التصريح والتلميح والكتابة بالعربي الفصيح وبالمنطق الأردني الجريح ، وبدأت أفشل في عملية " تخصيب الكلام يوم " المخصص للاستخدامات السلمية والمصلحة الوطنية ، بعد الكم الهائل من مبادرات الفرق الفنية التي ترسم عبر المقالات والحروف خارطة جينية جديدة ، لقرارات حكومية هجينة ، مقبوضة الثمن ، تصب في تطويع عيون القارئ لقبول الرؤية الرسمية فقط ورسم الجسد الرسمي المتهالك بالألوان ، ليظهر وكأنه جسد " موديل " رشيق جميل صاخب فتّان ، ثم يورطوك في محبته ، وتقبيح كل الصور الأخرى التي يتبادلها جمهور الزفة الوطنية ، ثم لا يعترفون بأن الصورة " نيجاتيف " مشوهة ، ليس فيها جمال دون امتزاج ألوان الطيف الوطني الأخرى .
يقول الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور نبيل الشريف : " أن الحكومة ترحب بالنقد وتعددية الآراء الذي يثري مسيرتنا الوطنية ويعزز الجهود المبذولة لدعم عملية الإصلاح. ( ...) هذه الحكومة قرنت القول بالفعل واتخذت إجراءات عملية لتوسيع هوامش النقد وقد حررت الصحافة من اية قيود حكومية على حريتها.
أنا شخصيا أعترف أن هناك حرية عامة ، وحرية تعبير لا تفرض عليهما رقابة مسبقة على الأقل ، ولكن ورطة الوزير المحترم أنه قال ما قال يوم الخميس وهو اليوم الذي تم فيه اعتقال الزميل الكاتب موفق محادين والدكتور سفيان التل ، بناء على شكوى قال الوزير الشريف إن عددا من المتقاعدين العسكريين تقدموا بها ضدهم ، بناء على ما " عبروا عنه وانتقدوا الحكومة الأردنية فيما يتعلق بالعمليات الأمريكية في أفغانستان ، وتلك المسألة معروف عنها أنها موضع خلاف في الأوساط الأردنية ، فكيف تستوي حرية التعبير وكفالة التفكير مع الاعتقال وعدم التكفيل ، خاصة أن طرفا الدعوة هما مدنيان ليس لهما أي صفة رسمية !
لا أدري إن كان معاليه يدري أو لا يدري عن أن الأوساط الشعبية والأصوات غير الرسمية تشكك في تكييف الامر ، كما شككت بداية في مبررات الدعوى ، ولكن ما أدريه أنا أن الدولة لم ينبغي لها أن تثير قضية " خوست " من جديد ، وبما أن زوبعتها قد مرت وكتبنا ما كتبنا عنها حين وقوعها ، فكان الأوجب أن لا تقبل الشكوى أصلا ، وأن لا يزج باسم الشهداء والجيش في قضايا خلافية ما بين الحكومة والمعارضة ، فلا الجيش ولا دماء الشهداء في موضع خلاف عند الناس ، ولكن الخلاف فيمن يستغل وجع المواطن وحاجات الوطن ليتكسب بذريعتهما ، ثم يدعي أنه أكثر أصالة من حجر البتراء وأقدم مسيلا وخدمة على ولهذه الأرض من نهر الأردن ذاته !
شخصيا لم أستمع أو أشاهد ما قاله د. التل ، ولكن شاهدت مقطعا أعادت بثه قناة الجزيرة للزميل محادين ، ولم أفهم منه تهجما على جهة معينة ، لكنه وصف البلوي بالشهيد ، وإن كانت هذه تهمته ، فلي أن أسأل أحد الذين يفهمون لغة "أهل تل أبيب" ليقول لنا ماذا يسمون قتلاهم ؟ هل يسمونهم شهداء ، أم إن هذا المصطلح مقصور علينا نحن العرب ؟ ومع هذا فليس لنا إلا أن نزداد دهشة مما يجري في قريتنا عمان التي كانت على ضفاف سيل ، فغدت تسبح وسط بحر متلاطم من التناقض وتناقض التناقض ، ليس حرية التعبير والرأي ، وحرية البكاء والدعاء آخرها .
قبل يومين نشرت الزميلة صحيفة العرب اليوم خبرا مفاده أن وزير التنمية السياسية موسى المعايطة اجتمع مع الاستاذ نايف حواتمة أمين عام الجبهة الديمقراطية " لتحرير فلسطين " وقال الخبر ان حواتمة استمع من المعايطة لشرح عن الخطوات التي تقوم بها الوزارة في مجال تعزيز مسيرة الإصلاح والديمقراطية المبنية على برامج عمل تستهدف الشراكة الكاملة مع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وتمكين قطاعي المرأة والشباب .
هنا أنا أطلب من " شايح ابن رايح " أن يفهمني ما دخل نايف حواتمة وما هي صفته ليجتمع مع وزير وزارة التنمية السياسية الأردنية ليستعرض برامج وانجازات الوزارة ، هل الرجل وزير في الحكومة الفلسطينية ؟ هل هو ممثل عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ؟ هل حرر فلسطين .. هل سيشتكي علي ثم أحال الى المحكمة بتهمة الإفتراء على الرجل واتهامه بأنه لا يمثل الشعب الفلسطيني كما انه لا يمثل الشعب الأردني وأنه كان مطلوبا مرتين للدولة الأردنية لتنفيذ أحكام قضائية بالإعدام بتهم التآمر على النظام عام 1958 وترؤس مليشيات عاثت في البلد عام 1970 .
أعتقد أن على الدولة الأردنية أن تعيد حساباتها وتأخذ نفسا عميقا وتفكر طويلا ، في هذه المرحلة قبل اتخاذ قرارات لا تخدم الدولة الأردنية ولا صورة النظام الطيبة ولا الشعب الأردني الذي طفح كيله من تفكير بعض المسؤولين الذين يتركون القضايا المصيرية ويتشبثون بقضايا ثانوية لا تؤثر على الدولة ولا على الوطن .
باختصار ، المواطن الأردني يقول : " إلعنوا أبو فطاسنا بس أطعمونا " ، وأعطونا من مال الله الذي عندكم ، قبل أن يسألكم الله عنا حينها وحينها لا مال ولا أعمال عندكم .
ختاماً وللمرة الأولى أسأل القرّاء الأحبة العذر وخاصة من المعلقين الأكارم ، أن تحجب التعليقات عن هذا المقال ، لا خوفا علينا ، ولكن لتأسيس مبادرة " سكرّ إثمك " لتعزيز الديمقراطية .. وسامحونا
Royal430@hotmail.com