الانتحار ،،،، نزيف متصاعد
د.حسين الخزاعي
13-02-2010 02:45 AM
للمرة الثانية اكتب حول موضوع " الانتحار " ـ والذي زاد قلقي ودفعني للكتابة من جديد حول هذه القضية انه منذ مطلع هذا العام بلغ عدد حالات الانتحار التي تمت بشكل كامل ( 10 ) حالات لتاريخه وهذا العدد من المنتحرين يعتبر بمثابة تحول كبير في عدد الحالات ونوعية طرق الانتحار ، حيث ان عدد الحالات قبل خمس سنوات لم يكن يتجاوز ال ( 20) حالة في كل عام ، كما ان نوعية طرق الانتحار قد بدأت تأخذ اشكال وطرق اكثر عدوانية وجرأة في الاقدام على قتل النفس وايذاء الجسد وتعذيب الآخرين . فالحالات العشر التي تمت خمس حالات منها استخدمت طريقة الشنق ، وحالتين قفز من فوق بنايات عالية ، وثلاث حالات تناول كميات كبيرة من العقاقير . والمحزن والمقلق ان الذين اقدموا على الانتحار ( خمس فتيات ) وخمس شباب . وجميعهم اعمارهم تقل عن الاربعين عاما منهم طالبة جامعية وشاب لم يتجاوز عمره الثامنة عشرة .
سوف ابتعد عن الفلسفة والتنظير والاشارة الى النظريات الموجودة في بطون الكتب ، فمئات من رسائل الماجستير والدكتوراه مرصوفة على الرفوف في شتى الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والزراعية والعلمية والطبية لم تقدمنا خطوة الى الامام ، سابتعد عن سرد اسباب ودوافع الانتحار ، فلكل مجتمع خصوصياته الثقافية والحضارية وعاداته وسلوكاته ، وهذه السلوكيات بعيدة كل البعد عن قيمنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا ، سانطلق من الفلاسفة القدماء حيث اعتبره الفيلسوف اليوناني طاليس الانتحار بانه :عمل غير اخلاقي ينم عن عدوانية الفرد ضد نفسه يضر بالمجتمع والعائلة . والفلسفة في ذلك العصر كانت ام العلوم ، سانطلق من تعاليم واحكام الديانات السماوية جلها التي طالبت في اتباع كافة الطرق لتوفير السعادة للبشر وعدم ايذاء النفس وسارفع صوتي مذكرا وقائلا : " لجسمك عليك حق " . وهل هناك اعمق واغزر من هذه التوصية للانسان بان يحافظ على جسده من التعرض للاذى .
وبعد ،،، نحن باشد الحاجة الى ان تقوم الحكومة وبشكل سريع بانشاء مركز لاعادة تاهيل وعلاج محاولي الانتحار ، ففي الأردن هناك " 400 – 500 " محاولة انتحار سنويا ، وفي العام الماضي سجلت (65) حالة انتحار تام ، وبرز الى العلن في منتصف نيسان الماضي ظاهرة " الانتحار العلني " ، ولا بد من الاعتراف بانه ليست كافة الحالات تبلغ عنها ، لان الانتحار يعتبر وصمة اجتماعية ، والحقيقة المؤكدة والمزعجة انه لا يوجد سجل وطني لرصد ومتابعة حالات الانتحار او محاولات الانتحار حتى نتوقف عند الرقم الحقيقي للقضية ، ولنعترف بان التدخل المهني والعلاجي غير موجود لمحاولي الانتحار ، حيث ان محاول الانتحار يسلم الى اهله بدون ان يتم عرضه على طبيب نفسي مختص يتابع اعادة تاهيله والاشراف على علاجه ، ولعلي اؤكد ان (90%) من محاولات الانتحار والانتحار الكامل اسبابها امراض واضطرابات نفسية ، والعوامل الاجتماعية تعتبر مهيجة ومحرشة للامراض النفسية والعصبية .
مسك الكلام ،،، لا تمروا مرور الكرام على حالات الانتحار التي تتم في الاردن ، حتى لا نفاجأ بارقام كبيرة وطرق اكثر وحشية في الاعتداء على النفس .
Ohok1960@yahoo.com
الكاتب : اكاديمي ، استاذ مشارك – تخصص علم اجتماع – جامعة البلقاء التطبيقية