وسط انشغال الدولة والمجتمع بجائحة كورونا ومعالجة تداعياتها على الاقتصاد والصحة والانفتاح تظهر من وقت لآخر تصريحات عن بعض الشخصيات الحكومية والنقابية التي تنبئ بإمكانية تجدد السجال حول نقابة المعلمين ومواقف الحكومة واحتمال تجدد الإضرابات والخوف من التدخل في بنية النقابة وتركيب مجلسها.
التصريحات التي نقلت على لسان نائب نقيب المعلمين حول رفض المجلس لقرار الحكومة المتعلق بوقف صرف العلاوة التي تحصل عليها المعلمون بعد عملية مفاوضات مضنية ومكلفة مع الحكومة تمت على وقع إضراب وتعطيل للمدارس على مدار شهر كامل، بدت حادة ومزعجة للحكومة التي عبر وزير الداخلية في لقاء تلفزيوني عن استياء الحكومة من التصريحات التي قد تستوجب اتخاذ اجراءات قانونية بحق المجلس .
لا أعتقد أن النقابة ومجلسها الذي حظي بتقدير وتعاطف شعبي واسع تريد أن تتحدى الدولة او تخرج على القانون فهم ادوات الدولة الرئيسة في بناء الشخصية وصقل استعدادات وقدرات الاجيال كما انهم يعملون ويتحركون ضمن الحدود التي يتيحها لهم الدستور. اللغة التي استخدمتها النقابة إبان الإضراب لغة منضبطة وتشير الى حقوق موضوعية ومطالب مشروعة. إصرار النقابة على الرفض للقرار الحكومي بوقف صرف العلاوة حتى نهاية العام يتطلب توضيحا من النقابة لكوادرها لكنه لا يستوجب اي لغة انفعالية في هذا التوقيت بالذات وخصوصا من المعلمين الذين كانوا الاكثر التصاقا وقربا من مشاعر الناس والأقدر على التعبير عن مطالبهم بالعدالة ومكافحة الفساد.
الكثير من الناس يرددون ومن وقت لآخر المقولة والشعار الذي نحته نائب النقيب “نجوع معا او نشبع معا”. قد لا يكون من المناسب ان يقبل المعلمون لأنفسهم أن تتعرض دخول ورواتب الشرطة والاطباء والجنود وبقية كوادر الدولة لخصومات ووقف للعلاوات في الوقت الذي يصر فيه المعلمون على ان يتلقوا العلاوات ويهددوا بالرفض وربما العودة الى الاضراب.
التصريحات التي نقلت عن الاستاذ نائب النقيب لا تتماشى مع الروح الايجابية التي تعاطت فيها النقابة مع الازمة الاخيرة حيث كانت النقابة اول الجهات والمؤسسات التي اعلنت عن تبرعها لصندوق همة وطن وبمبلع يفوق بكثير ما تبرعت به الكثير من الشركات والبنوك الاكثر إيرادات واحتكارا وانتفاعا بموارد البلاد.
الناس وعلى مختلف مشاربهم ومواقعهم يتطلعون الى مجتمع يسوده النظام ويعمه العدل ويخلو من الاستغلال والتمييز والفساد. والمعلمون في مقدمة الفئات والمهن التي ترعى الانضباط وتدرب الطلبة على الحوار والتفكير العقلاني المنضبط.
الشارع الأردني يختلف اليوم عما كان عليه في ايلول من العام الماضي والجميع يرقبون ما تقوم به الحكومة من اجراءات ومعالجات لآثار الأزمة على مئات آلاف الاسر التي فقدت مصادر رزقها والقطاعات التي اصيبت بالشلل التام، ولا احد يتعاطف كثيرا مع أي محاولة لتشتيت هذه الجهود.
أعرف جيدا ان النقابة ومجلسها في موقف لا يحسدون عليه كون العلاوات التي تحققت لهم جاءت كنتائج لإضرابات وتفاوض وأبرمت حولها اتفاقية لكن كل ذلك لا يبرر الاصرار على الحصول عليها في الوقت الذي لا يطالب بها الجنود ولا الشرطة ولا الاطباء ولا الكوادر التي تجوب الاحياء للتقصي وملاحقة الخطر الذي قد يصيبهم وهم لا يعلمون.
أتمنى على النقابة ومجلسها ان يتذكروا مهنتهم ورسالتهم التي أسهمت في بناء المجتمع وأحدثت التحول وعملت على دمج المكونات العرقية والقبلية في شحصية وطنية يشترك من يملكها في الشعور والتفكير والسلوك. وأن يقطعوا الطريق على من يريد شيطنة هذه المؤسسة وإظهارها بشكل مغاير لحقيقتها.(الغد)