على مدى العقود ومنذ نشوب الصراع العربي الاسرائيلي وخسارة الجيوش العربية لاجزاء واسعة من فلسطين عام 1948 وتكرر الهزيمة وخسارة ما تبقى من الارض عام 1967 والاردن ملتزم سياسيا بموقف مبدئي واحد لم يطرأ عليه تغيير حيث نادى بالانسحاب الكامل من الاراضي المحتلة ودعا الى ابرام عملية سلام.
مع تطور المواقف العربية وظهور العمل الفدائي وتبلور الاجماع العربي على اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد قبل الاردن بالصيغة الجديدة ونقل مسؤولية التمثيل للشعب الفلسطيني وقيادته المتمثلة بالمنظمة وتبنى موقف المناصرة والدعم والتأييد ليصبح الاردن نصيرا للاشقاء وداعما لارادتهم الحرة في اطار موقف مبدئي معروف ومعلن يردده القادة والمواطنون على حد سواء.
في كل مناسبة وعلى لسان الساسة ووزراء الخارجية وكل من يتحدث باسم المملكة الاردنية الهاشمية كان الموقف الاردني ولا يزال مؤيدا للشرعية الدولية وملتزما بالقرارات الصادرة عن مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة بخصوص الصراع العربي الاسرائيلي ولم يحد الاردن عن هذا الموقف إنشا واحدا.
في كل مرة يثار فيها الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يشير المندوب الاردني الى التزام الاردن بحل الدولتين ويعبر عن دعمه الكامل للشعب الفلسطيني ونضاله من اجل الوصول الى حقه. الموقف الاردني كان ولا يزال مختزلا في الفقرة الذهبية التي تقول ” يقف الاردن الى جانب الاشقاء الفلسطينيين ليتمكنوا من نيل كامل حقوقهم في اقامة دولتهم على كامل الاراضي المحررة وعاصمتها القدس “.
هذا الموقف الثابت لعقود تبناه العديد من دول العالم قبل ان يأتي ترامب الى البيت الابيض ويكلف صهرة كوشنر ويعين المستوطن فريدمان سفيرا للولايات المتحدة في اسرائيل ويكلفهما بوضع تصور خلاق وشامل لحل القضية ضمن اطار يخدم المصالح والاطماع الاسرائيلية التي لا ترى في الفلسطينيين غير عقبة في وجه استكمال بناء كيانهم القومي على الارض الفلسطينية.
التصور الذي اخرجه كوشنر وفريدمان واعلن عنه ترامب في احتفال كبير في البيت الابيض دعي له نتنياهو وحضره بعض السفراء العرب مع بداية العام تجاهل الحقوق الفلسطينية التي اقرتها الاتفاقيات السابقة والقرارات الاممية كان مناسبة لتخلي بعض الداعمين للحقوق الفلسطينية عن مواقفهم المبدئية لغايات براجماتية وتحت تبريرات ليس اقلها الاسهام في تغيير المناخ والعلاقات العربية الاسرائيلية لحساب التعاون على مواحهة عدو مشترك للطرفين.
المدهش في كل هذه المراحل اصرار الاردن على رفض الصفقة وانتزاع الاعتراف الاميركي بحق الاردن في الاختلاف مع الولايات المتحدة التي تقدم له ما يزيد على مليار وثلاثماية مليون دولار سنويا . في كل مرة يرفض الاردن الخطوات المتخذة ويحذر من خطورتها تخرج مئات الاصوات من الداخل الاسرائيلي ومن البنى السياسية الداعمة لاسرائيل بالتهديد واثارة المخاوف والشكوك. تارة بالضغوط واخرى بامكانية العبث بالنسيج الاجتماعي وثالثة بالديون والضمانات.
الخطوات التي اتخذتها الدولة الاردنية خلال الايام والاسابيع الماضية احدثت اثرا مهما في الداخل الاسرائيلي والولايات المتحدة على حد سواء. داخل الائتلاف الحكومي ينادي شركاء نتنياهو الجدد بالتريث في تنفيذ خطط الضم في حين يتعجل نتنياهو الذي يعتبر الخطة فرصة تاريخية قد لا تلوح مرة اخرى اذا ما رحلت الادارة الاميركية الحالية.
وكما فعل غانس واشكنازي يتردد كوشنر في دعم مساعي نتنياهو بصرف النظر عن مواقف الفلسطينيين والجيران العرب.
الجهود الاردنية التي قادها الملك بصلابة ووضوح دفعت بقيادات مجلس النواب الاميركي والمرشح الديمقراطي للرئاسة لاعلان رفضهم ومناهضتهم للخطة التي تخالف السياسات الاميركية والقرارات الدولية التي كانت الولايات المتحدة طرفا في اتخاذها.
حتى اللحظة تبدو المواقف الاميركية الرافضة والاخرى المتحفظة اضافات جديدة للرفض الاوروبي والعالمي وتعاظم الاصوات المنحازة الى الشرعية الدولية التي ظهرت مؤخرا على لسان ملك البحرين وولي عهد الامارات العربية المتحدة.
بالرغم من صعوبة الجزم او التنبؤ فيما سيحدث فقد قام الاردن وقيادته بمهام وجهود كبيرة في تصليب واظهار موقف الرفض والمعارضة للقرار الذي يعتبره الاردن تدميرا لكل المساعي والانجازات التي تحققت في خفض التوتر والعداء خلال العقود الثلاثة الاخيرة.
(الغد)