أفاتار والتقدم الذي يقود إلى الزراعة والخرافة
ابراهيم غرايبه
12-02-2010 02:59 AM
للوهلة الأولى يبدو الجديد في فيلم "أفاتار" أن نجوم السينما لم يعودوا ركيزة أساسية في صناعة الأفلام وتسويقها، وقد تشهد صناعة التمثيل تحولات كبرى وجذرية، تجعل صناعة الفيلم مثل كتابة المقال أو الرواية، وأنه لن يعود ثمة حاجة لممثلين ومخرجين وفريق من التقنيين، والإعلانات التي تنشرها بعض محطات التلفزة عن مسابقات للأفلام باستخدام الموبايل أو الفيديو المنزلي والتطور التقني المتسارع في تقنيات التصوير السينمائي والحوسبة تشجع على الاستنتاج بأن الأفلام السينمائية ستصبح في سهولة إخراجها وإعدادها مثل مقالة صحافية أو قصة أو رواية، ولا تحتاج من ألفها إلى يائها إلى أكثر من شخص واحد وحاسوب، بما في ذلك التصوير والإخراج والتمثيل أيضا.
ولكن هناك الكثير (ربما) من الإثارة والقلق يجعلان للفيلم ذلك التأثير والحضور أكثر من التقنيات والإبهار والمتعة البصرية.
كأن الموارد والحياة نفسها تتشكل وفق الخيال، أن تتحول فكرة خيالية إلى ثروة بالبلايين تتفوق على النفط والصناعة والمناجم تفتح المجال مع التطور المستمر للكمبيوتر لمن يشاء للبحث عن الموارد ومن ثم الحياة في الحاسوب. ما الأعمال والموارد؟ السؤال أصبح جديا مقلقا يتحدى الأعمال والمهن والمؤسسات التعليمية والتدريبية.
ثم إن هذا التقدم الهائل في التقنية يعجز عن مواجهة الزراعة، فبعد أن يدمر التقدم التقني البيئة والأرض يحاول أصحابه أن يستولوا على أراضي السكان المزارعين وعلى "شجرتهم" التي يعيشون في كنفها بحثا عن معادن نادرة وثمينة ولكنهم يعجزون عن مواجهة سهامهم، فيهزمون هزيمة ساحقة، صحيح أنهم تلقوا كعادة الأفلام الغربية مساعدة تنظيمية وفكرية من "الجنس الأبيض" ولكنهم انتصروا بالفعل.
بالطبع فإنها مجرد مشيئة لكاتب أو مخرج، ولكنها رغم ذلك قوية ومؤثرة وربما غالبة وقاهرة، تماما مثلما انتصرت رواية فيكتور هوغو عن معركة واترلو على رواية المؤرخين، وكما كانت مشيئة تولستوي عن نهاية آنا كارنينا التي أبكت العالم على مدى مائة وخمسين عاما ولم يقدر أحد على تغييرها او تعديلها، كأن خيال المخرج والكاتب الروائي قدر حتمي، فالكون والحياة منذ الأزل هما "رواية الله" ما يقوله فيكون، وكأن الراوي يقتبس رواية الله، أو يعلم عنها أو يدعي معرفتها، ولكنه ادعاء مثير ومقلق أيضا، لماذا تزدهر الخرافة بقدر التقدم العلمي والتقني نفسه، لماذا يزداد إيماننا بالخرافة رغم الزيادة الهائلة في العلم والمعرفة؟
ربما لا يكون الأمر كذلك تماما، ولكن المعرفة وتحولاتها تزيد مساحة المجهول في حياتنا، حتى يغلب تعاملنا مع ما لا نعرفه على ما نعرفه، بل يغطيه ويستغرقه، وحينها تكون الخرافة بديلا معقولا، وتكون الحياة الزراعية أيضا نهاية منطقية، وكأن التقنية والتقدم العلمي يسيران بنا إلى الزراعة، .. والخرافة!
الغد