تعد خطة إسرائيل لضم ما يقرب من ثلث الضفة الغربية هي رؤية لنظام فصل عنصري في القرن الحادي والعشرين، وإنتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، ولن تؤدي إلا إلى تكثيف انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية، وتأطيراً للحكم العسكري الإسرائيلي الذي دام 53 عاما في الضفة الغربية والذي يمثل مصدرا لانتهاكات عميقة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، وبشكل رئيسي إنكار حق تقرير المصير ضمن قائمة طويلة من الانتهاكات المزعومة الأخرى.
في الحقيقة التي يجب مراعاتها هنا هي أن الصراع مع المحتل هو صراع وجود، والحقيقة التي لا يستطيع أحد تجاوزها هي أن كل فلسطين أراض محتلة، وشعبها يرزح تحت نير الاحتلال الإستعماري منذ أكثر من سبعين عاماً، بضم أو بغير ضم، إلا أن تطبيق قرار الضم يعني الذهاب إلى نموذج جديد من نظام الفصل العنصري الذي ساد في جنوب أفريقيا خلال عقود سابقة، لأن المزاعم الإسرائيلية بضم الأجزاء اليهودية فقط من الضفة الغربية كلام فارغ، لا قيمة له، والأمر الجوهري يتمثل في منح الفلسطينيين حقوقهم الكاملة، وليس هناك من مسافة وسطى.
لا تزال المؤسسة الإسرائيلية تتغنى بأنها الدولة الديموقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، بل وأنها أيضاً واحدة من الدول في العالم التي تشكل نموذجاً فريداً يتوجب الاحتذاء به، ولطالما يردد المسؤولون الإسرائيليون ذلك، متغنين بأن القانون الأساس لديهم يؤكد في البند الأول منه أن حقوق الإنسان الأساسية في إسرائيل تقوم على الاعتراف بقيمة الإنسان، قدسية حياته وكونه حراً، وسيتم احترامها بما يتماشى مع المبادئ الواردة في وثيقة الاستقلال لدولة إسرائيل، علماً أن هذه القاعدة الدستورية لا تنطبق على الكرامة والحرية للإنسان إذا تعلق الأمر بالفلسطينيين، وتم انتهاكها بصراحة في عشرات القوانين العنصرية التي قوننتها الكنيست الإسرائيلي بهدف المساس بحقوق وحريات الفلسطينيين.
ولعل التدقيق وتفحص طبيعة تلك القوانين وكذلك طبيعة النظام القانوني والقضائي والتنفيذي القائم، تجعل من الممكن التأكيد على أن هذه القوانين والنظم ليس لها مثيل في أي نظام لدول العالم، وتجاوزت المؤسسة الإسرائيلية بتشريعاتها العنصرية نظام الأبرتهايد البائد في جنوب إفريقيا.
ولا ترتبط هذه العنصرية بالضرورة بواقع الاحتلال، بل إنها تنبع من صميم الفكر الصهيوني وأنها مكوِّن طبيعي وبنيوي من مكوناته، وبالتالي فإن هناك علاقة عنصرية وبنيوية بين الصهيونية والعنصرية، وهو ما أشارت إليه الأمم المتحدة في القرار رقم 3379، باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية بتاريخ 10/10/1975، والذي جرى شطبه في عام 1991.
وعلى الرغم من ذلك فإن الحقائق تشير إلى أن ظاهرة وقوانين العنصرية تجاه الفلسطينيين دخلت مرحلة نوعية جديدة، تتكشف خلالها حقيقة طالما تم إخفاؤها وعدم البوح بها، وهي أن القوانين والنظم التشريعية والقضائية والتنفيذية الإسرائيلية تقوم على أساس أيديولوجي وسياسي، يمكن وصفه بأنه شكل من أشكال الفصل العنصري الأشد قسوة وإجرامية من الأبرثايد الجنوب إفريقي البائد.
يظهر جلياً أن ثقافة وسلوكيات الفصل العنصري تضرب بأطنابها أغلبية فئات وشرائح المجتمع الإسرائيلي، الأمر الذي يمكن تسبيبه أساساً بالأيديولوجيا والثقافة الصهيونية السائدة، والرعاية الرسمية المنهجية لها، والقوانين التي تحميها وتغذيها. والحقيقة تشير إلى أن المجتمع المدني الإسرائيلي يتميز بالتقسيمة القومية- الإثنية التي تخترقه، ويتميز أيضاً بالتمييز البنيوي ضد الفلسطينيين.
والعنصرية سياسة إسرائيلية رسمية، فقد شرّعت الكنيست أكثر من (40) قانوناً عنصرياً، والكنيست الثامنة عشرة شرعت وحدها أكثر من عشرين قانوناً عنصرياً، والعنصرية في إسرائيل تحظى بتعاطف جزء كبير من الجماهير الإسرائيلية، حتى أصبحت العنصرية مقلقة جداً عليهم.
وهذا القبح العنصري يظهر في سياقات مختلفة، ففي استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أكد 67% من المستطلعين بأن إسرائيل أكثر عنصرية حالياً من أي وقت مضى، إذ ظهر واضحاً أن حملة حكومة نتنياهو استهدفت ركائز الديمقراطية الإسرائيلية والتي ترجمت بسلسلة مشاريع قوانين استهدفت الصحافة والقضاء ومنظمات حقوق الإنسان، وصفها بأنها محاولة لإزالة العقبات الأخيرة التي تعترض طريق نظام الأبرتهايد.
وتنبع العنصرية من صميم الفكر الصهيوني وهي مكوّن طبيعي وبنيوي من مكوناته، وبالتالي فإن هناك علاقة عنصرية وبنيوية بين الصهيونية والعنصرية، وهو ما أشارت إليه الأمم المتحدة في القرار رقم 3379 “باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري” بتاريخ 10/10/1975، والذي جرى شطبه من سجلات الأمم المتحدة بتآمر وضغط غير مسبوق من قبل أطراف متنفذة في منظومة العلاقات الدولية في عام 1991.
ويقارن أوري ديفيس أوري ديفيس مولود في القدس عام 1943، وهو بروفيسور متخصص في علم الإنسان، يُدرس في الجامعات الفلسطينية، وهو يهودي الديانة مناهض للصهيونية، وله العديد من الأبحاث والدراسات حول الصهيونية و"إسرائيل"، وهو عضو في المجلس الثوري لحركة فتح، بين "الأبارتهايد الإسرائيلي" و"أبارتهايد جنوب-أفريقيا"، فأساليب الأبارتهايد التي تتبعها "إسرائيل" تختبئ خلف أقنعة قانونية،جعلتها أقل ظهوراً مما كان الحال عليه في جنوب إفريقيا، وهو موجود في كل تفاصيل الحياة، ولكنه مقونن، ويصعب اكتشافه بسهولة.
ويرى ديفيس أن النظام السياسي للأبارتهايد الإسرائيلي، يشرع العنصرية قانونياً بقوانين يسنها البرلمان تستند إلى الأساس العرقي. فإسرائيل، التي قدمت نفسها كـ"دولة مطيعة للقانون الدولي"، قامت بإدخال التمييز بين "اليهودي" و"غير اليهودي" على أساس القانون الإسرائيلي، بما مكنها من إخفائه كتشريع "أبارتهايدي".
ويوضح ديفيس أن "الأبارتهايدية" واضحة في كل تفاصيل حياة دولة "إسرائيل"، فمن حيث القانون والتشريعات برلمانية: أصدرت الكنيست، جدولًا من أربع فئات من الجنسية، هي: الفئة (أ) وهم المواطنون المصنفون كـ"يهود"، والفئة (ب) وهم المواطنون المصنفون "غير يهود"، أي العرب تحديدًا، والفئة (ج) وهم المواطنون العرب الذين تم تهجيرهم داخلياً، وحرموا من ممتلكاتهم، والفئة (د) وهم اللاجئون الفلسطينيون إبان النكبة، والذين يبلغ تعدادهم ذريتهم الآن نحو خمسة ملايين شخص.