السّعيد من زَهد في دنياه لآخرته
يوسف عبدالله محمود
18-06-2020 10:20 AM
السعادة لا تشتريها بالمال والجاه والمنصب.
المال يفتن، لكنه الافتان الزائل. كم من غني ظل شقياً بماله وكم من قانع يعيش الكفاف عاش راضياً مرضياً.
في كتابه "الأدب الصغير والأدب الكبير" نقرأ لابن المقفع هذه المفردات الممتلئة التي تبين لنا من هو السعيد في الحياة ومن هو الشقي:
"السعيد يرغّبه الله في الآخرة حتى يقول: لا شيء غيرها، فإذا هضم دنياه وزهد فيها لآخرته لم يحرمه الله بذلك نصيبه من الدنيا، ولم ينقصه سروره فيها.
أما الشّقي يُرغّبه الشيطان في الدنيا حتى يقول: لا شيء غيرها، "فيعجّل الله له التَنغيص في الدنيا التي آثَرَ مع الخِزي الذي يأتي بعدها".
مكتبة البيان – بيروت المرجع السابق ص45.
حتى تكون سعيداً عليك أن تزهد في حُطام الدنيا، فلا تسرف في الملذات على حساب الطاعات، ولا تقدّم الرذيلة على الفضيلة.
أن تعمل لآخرتك يعني أن تنسى نصيبك من الدنيا.
فَليكُنْ "الاعتدالُ" خير مما تتوخاه في دنياك.
من استعظم من الدنيا شيئاً فَبطر، أخرجه بطره عن الوقار، فتراه يجترئ على المحرّمات، فخوراً بِبَطره، لا يُرَوِّض نفسه على محاسن الأخلاق، بل يُغريها في المساوئ.
السعيد لا يكون حقوداً، لأن الحقد يُميت الفضائل، ويستفزّ الغرائز.
السعيد هو الذي لا يكافئ من أحسن إليه بالعُقوق فيكون ناكراً للجميل، أما الشقي فأجاد ابن المقفع حين وصفه "بأنه يُعُد الغُنْم غُنماً وإن ساق غُرْماً".
كم منا في هذه الحياة يتحلى بهذه الصفات، ألا ترى الفاسد المحتال إذا اجْترأ على حال غيره فَسَلبه عَدَّ ما فعله غُنماً ظفر به بفهلوته.
للأشقياء عَبَدَة الدنيا أقول:
الدنيا زُخرفها زائل. مالُها فتّان. السعيد من لا يفتنه زُخرفها ومالها فَيُنسيه ذكر الله وآخرته.
وصدق ابن المقفع وهو يقول مشيراً إلى رحمة الله الممدودة لعباده "لا تؤدي التوبة أحداً إلى النار، ولا الإصرار على الذنوب إلى الجنة".
تُرى متى يتعلّق البشر كل البشر بهذه الرحمة؟ متى يتعمّق القلوب الحِسُّ الإنساني فيغادرها الجشع وتسكنها المحبّة؟ متى؟
نحن نعيش اليوم مفارقات كثيرة.
ترى واعظاً يعظ وهو غير مُحقّق لقوله بالفعل، وآخر يتكلّف الصدق غير مُحترس من الكذب وثالث رجل دين لا يرى غَضاضة في تقريظ فاجر إما خوفاً أو تزلّفاً لِعطاء.
هؤلاء هم الأشقياء الذين غرّتهم الدنيا فأقبلوا عليها إقبال مَن استهوتهم شهواتها فأمضوا فيها.
ما أجمل من يُحصي على نفسه مَساويها إن في الدين أو الأخلاق أو الآداب، فيبادر إلى اجتنابها.
وصدق ابن المقفع وهو يُقيّم رجال الدين حين قال:
"ومن نصَب نفسه للناس إماماً في الدين، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه وتقويمها في السيرة، فيكون تعليمه بسيرته أبلغ من تعليمه بلسانه". المرجع السابق ص18
وهنا أقول ما يَدوي تعليم اللّسان إن كانت السيرة لا تتفق.
وهذا التعليم، بالطبع أستثني أئمة الدين الشرفاء فهم أحبّاء الله.