الفائدة للتاجر .. والحكومة تدفع الثمن
د. هايل ودعان الدعجة
11-02-2010 03:49 PM
لا شك ان كل ما يتصل بموضوع الغلاء ورفع الاسعار ينسب الى الحكومة ويعتبر من مسؤوليتها، حتى لو تسبب به بعض التجار ترجمة لاهوائهم واطماعهم وانانيتهم مستغلين اجواء ما يسمى بالاقتصاد الحر الذي نرزخ تحت وطأته ، والذي لا يعرفون عنه الا انه الطريق المؤدي الى الرفع دون تدخل الحكومة .
ولانهم لا يؤمنون بشيء اسمه تخفيض الاسعار حتى لو زالت المبررات التي قادتهم الى رفعها ، فسرعان ما تشكل الاسعار المرتفعة الجديدة قاعدة سعرية معتمدة بالنسبة لهم يتم البناء عليها واعتمادها في رفع الاسعار مستقبلا في ما لو ظهرت مستجدات وظروف اقتصادية داخلية او عالمية استوجبت ذلك كرفع اسعار النفط او المواد الخام او أي من العناصر او المكونات الداخلة في عملية الانتاج . مع التأكيد هنا باننا لا نتحدث عن غلاء تسببت به الحكومة نتيجة فرضها ضرائب ورسوم على سبيل المثال ، وانما نتحدث عن غلاء تسبب به بعض التجار وذهبت ايراداته الباهظة وبالكامل الى جيوبهم . حدثني صديق ان مصنعا تعود ملكيته لاحد معارفه يعتمد على المواد الخام في صناعة منتوجاته .. قام برفع اسعار هذه المنتوجات عندما ارتفعت اسعار هذه المواد ، الا انه لم يقم بتخفيضها عندما هبطت اسعار المواد الاولية .
وعندما سأله عن السبب اجاب .. لماذا ابادر واتطوع بتقليص ارباحي وايراداتي طالما ان احدا من الجهات المعنية لم يطلب مني ذلك؟ فما كان من صديقي وعلى وقع هذه الصدمة الا ان سأله بامتعاض واستهزاء.. لو افترضنا ان اسعار المواد الخام عادت الى الارتفاع الان وبنفس النسبة السابقة .. فهل سترفع اسعار منتوجاتك مرة اخرى ؟ فقال بالتأكيد ولما لا .. فالتجارة شطارة ( وتحين ) فرص .
هكذا يفهم هذا البعض الانفتاح وتعويم الاسعار والاقتصاد الحر ويرى فيه الفرصة المناسبة لممارسة الجشع والاستغلال والغش بابشع صوره . حتى عندما تطلب اليه تخفيض الاسعار على بعض السلع نتيجة هبوطها عالميا ، يبادرك بالقول بانه اشترى البضاعة الموجودة لديه بالسعر القديم . اما اذا حصل العكس وارتفعت عالميا ، فتجده يرفع السعر فورا ودون تفكير مع ان البضاعة مكدسة لديه في المستودعات وباسعار رخيصة .
وان ما يلفت النظر في هذه ( المسخرة ) هو السرعة في اتخاذ قرار الرفع وتنفيذه من قبل هذا البعض الجشع بمجرد ان يشتم او يحس بوجود شيء ما يبرر له ذلك ، دون مقدمات او تقديم مبررات او حتى مجرد اشعار الجهات الرسمية بقراره ، رغم تداعياته وانعكاساته السلبية على مستوى معيشة الشرائح الاجتماعية خاصة الشرائح الفقيرة والمحدودة الدخل . وكلنا يذكر الاعفاءات الضريبة والجمركية التي طالت بعض السلع من اجل التخفيف على المواطنين ، ولكن مع كل اسف لم يصاحب هذه الخطوة هبوط في الاسعار . وبدلا من ان تذهب قيمة هذه الاعفاءات الى الخزينة وتستفيد منها الدولة ، تحولت الى جيوب بعض التجار الجشعين الذين تضاعفت ارباحهم ودخولهم عندما اضافوها الى ارصدتهم ، دون ان يترجموها الى تخفيضات على اسعار السلع المشمولة بهذه الاعفاءات . وما زلنا في هذه الايام نسمع هذا البعض وبحجة التباكي على مصلحة المستهلك ( المسكين ) كما هي العادة ، يطالب الحكومة مرة اخرى بتكرار نفس سيناريو الاعفاءات السابق ، الذي برع في استغلاله وتوظيفه في تحقيق اطماعه ومصالحه الخاصة على حساب مصلحة الوطن والمواطن .
ولان السياسات السعرية تقترن بالحكومات دوما ، فطبيعي ان تقع مسؤولية رفع الاسعار بالكامل على عاتق الحكومة التي قد تدفع ثمن ذلك على شكل تراجع في شعبيتها نتيجة عدم الرضا عن موقفها من هذه المسألة التي تهم مختلف شرائح المجتمع مع ان المستفيد هو التاجر . اذن ما الذي يجبر الحكومة على تحمل مسؤولية ذنب لم تقترفه وقد يطيح بها وبشعبيتها ، دون ان تفكر بتحصين نفسها وتبرئة ساحتها من هذا الذنب وهذه التهمة من خلال تفعيل النص القانوني الذي يجيز لها التدخل لتحديد اسعار السلع الاساسية وضبطها حماية للمستهلك ؟ لا بل انها وبدلا من ان تفعل ذلك تجدها في كثير من الحالات تبرر او تدافع عن هذا الرفع بحجة انه يمثل استجابة طبيعية للغة السوق الحر المعتمدة في قاموسنا الاقتصادي . وذلك رغم عدم استيفاء المواطن او المستهلك شروط استيعاب هذه اللغة بما هي وعي ونضج وثقافة تسويقية يمكن التعاطي معها كادوات ردع وضبط لتصرفات بعض التجار المزاجية والاستغلالية وتحويلها الى اسلحة فتاكة بيد المستهلك كسلاح المقاطعة مثلا للحد من هذه التصرفات اللامسؤولة .