"يوميّات في زمن كورونا" .. ثراء إبداعي لوزارة الثقافة
إبراهيم السواعير
16-06-2020 09:46 AM
نحن بانتظار الثراء الإبداعيّ الذي تكشف عنه مسابقة وزارة الثقافة "يوميات في زمن الكورونا"؛ بكلّ ما في "اليوميات" من نزوع إلى الأدب وابتعاد عن النمطيّة في السّرد؛ ولذلك فإنّ 300 مشاركة- على ما سمعنا- سوف تكون مكسبًا لمن فاز ولمن كان أقلّ فوزاً؛ خصوصًا ونحن نثق كثيرًا بالمزاج الإبداعي للجنة التحكيم التي يبدو أنَّ الوزارة اختارتها أو ستختارها بعناية بعد انتهاء استقبال الطلبات أمس الاثنين؛ لعدّة اعتبارات:
أولًا، من حقّنا كوسط أدبي أن نفرح بأعمال إبداعيّة تفرزها لجنة التحكيم وتطرحها على الملأ، وألا يكون الوعظ بخطر الفيروس أو انتشاره سبباً كافياً ووحيداً لاستصفاء الأعمال والحكايات أو اليوميّات؛ لأنّ شرطًا يظلّ يُلحّ علينا وهو "مدى تحقق الشرط الفنيّ في التناول"، وأعتقد أنّه لولا هذا الشرط، لكتب كلّ الناس في "اليوميّات" أو شاركوا في المسابقة- على وجاهة أن يشارك الجميع فيها- غير أنّ المسألة- ولا أريد أن أعطي درسًا في التناول، فهناك نقّاد انتخبتهم الوزارة لهذه المهَمّة ولهم القول الفصل في ذلك- تتعلّق بالمقدرة أو اللامقدرة على ركوب النصّ وفهم روابطه وآفاقه أو تجلّياته.
ثانيًا: حين يترك الأديب لأسَلَة قلمه أن تبدع، فمعنى ذلك أنّه يدرك قيمة النزال في ميدان الكتابة، خصوصًا وأنّ الوزارة لم تترك له كلّ هذه المدّة الكافية إلا لأنّها تدرك جيّدًا مقدار النزف الذهني والوجداني الذي يبذله في شهر تقريبًا، يجمع فيه الأفكار ويعيد ترتيبها أو يصقلها أو يزهد بها أو.. ليسير في مشروع إبداعي يعبّر عنه ويحمل اسمه ويضمّه كتابٌ يصدر عن وزارة الثقافة ويُشهر ويكون محطّ ثناءٍ أو استلهام.
ثالثًا: أنّ مسابقة "موهبتي من بيتي" التي كانت وجّهتها وزارة الثقافة في الأسابيع الخمسة من الحظر للأطفال والشباب، كانت تتوخّى فيها إبداعًا أو شيئًا من إبداع؛ ولذلك فقد جاءت المحاولات والاشتغالات الأدبية والفنيّة موضوعيّةً، وفيها ما رأت لجنة التحكيم أنّها تبشّر بمبدع أو تضعنا أمام مبدع، والأمثلة كثيرة، على أطفال وشباب خلقوا مما يحيط بهم عالمًا من الإبداع يتناسب مع الفئة العمرية من عشر سنوات إلى خمسٍ وعشرين سنة، وجاوزوا السائد في الوعي بالفيروس بمحاورته وربما السخرية منه؛ فلا أقلّ من أن نعترف أنّ تعبير المبدع هو تعبيرٌ مختلف عن كلّ أنواع التعبير التقريريّ أو المباشر، فهو يحمل الفكرة بشكلٍ ينسجم مع آفاقه وتساؤلاته والتفافه، دون أن يكون الالتزام بالمحور قيدًا على هذه التجليات؛ ولذلك فالمبدع الحقيقي لا يمكن أن يتنازل عن خلطته في الكتابة ليساير الموضوع أو ينقله أو يلبيه بطريقةٍ عاديّة.
رابعًا: أنّ في الوزارة أدباء مبدعين لهم مراسهم مع الحرف ونقّادًا لهم حضورهم، ويثق بهم وزير الثقافة د.باسم الطويسي في رؤيتهم الإبداعيّة، كفريقٍ متكامل، فهم علاوةً وضعهم الوظيفيّ مارسوا الإبداع واختمروه، في السرد والشعر، تحديدًا، ولا بدّ أنّ لهم كلمة في العناية بالنتاج الذي يعبّر عن وسط كامل شارك عنه 300 أديب يتوخّون الفوز بجائزة من ثلاث، وهو نتاجٌ معبّرٌ وعلى أكثر من معيار.
خامسًا: أنّ المشاركات ربما تعطينا فكرةً عن المحافظات- مع أنّ الأديب ربما يتجاوز التعبير عن المحافظة إلى التعبير عن المبدع الأردنيّ بوجهٍ عام، لكنّ مؤشّر المحافظة يظهر لنا الكمّ الإبداعيّ وفق التقسيمات الجغرافيّة، تبعًا لمنطلقات وزير الثقافة الدكتور الطويسي في توزيع مكتسبات التنمية على الجميع، وجعل الثقافة تخرج من إطارها النخبوي إلى المجتمعي، كرسالة وفلسفة للعمل الثقافي الرسمي الذي تقوم به وزارة الثقافة.
سادسًا: أنّ وصف الجائزة التي تأتي أهميّتها أيضًا من كون الوزارة تتعاون فيها مع مؤسسة ولي العهد، بأنّ فكرتها "تجيء كجائزة خاصّة لتقديم شهادات وحكايات من الراهن المعيش تدوّن تفاصيل اليوم بما فيه من ألوان، وبما فيه من دفقة أمل تنحاز للحياة، إنّما تهدف إلى ترويج ثقافة التدوين وكتابة اليوميّات وسط المثقفين والعامّة في المجتمع الأردني وتحديدًا في أوقات الأزمات والظروف الخاصّة، وتوفير محتوى ثقافي يوثّق حياة الأفراد والجماعات ومشاعرهم وتفاصيل الحياة وتحولاتها في زمن هذا الوباء، ما قد يجعل هذا المحتوى الثقافي موئلًا للأعمال الثقافيّة ومصدرًا للباحثين وكلّ المهتمين في هذه المرحلة من التاريخ".. هو وصفٌ جميل في غايته التوثيقية، وفي الألوان الإيجابيّة التي تشيعها المسابقة في التعبير الذي لا يدعو بالتأكيد إلى الإقصاء أو إثارة النعرات؛ بل يدعو إلى الأدب الإنسانيّ والفرح أو الحزن الشفيف أمام وضع استثنائيّ تطلّب مسابقةً استثنائيّة، هي مسابقة "يوميّات في زمن الكورونا".
سابعًا: نعتقد بجدوى دراسة أو مؤشّرات تطلع بها علينا لجنة التحكيم بخصوص النماذج الثلاثمئة المتنافسة، في مدارسها الفنيّة بين كلاسيكيّتها وتجريبها أو حداثيّتها وأسلوبها الأكثر اتباعاً، أو الأعمار الأكثر مشاركةً، والحقيقة أنّ أكثر من مؤشّر يمكن استنباطه أو الاستفادة منه عند الانتهاء من النظر في هذه الأعمال، كانتماء المتنافسين إلى هيئة ثقافيّة بعينها، أو استقلاليّتهم، أو كونهم أكاديميين أو من أوساط معيّنة.
ثامنًا: يُحسب لوزارة الثقافة أنّها ما تزال جادّةً في مشروعها التنويري، أدبيًّا وثقافيًّا، واستطاعت أن تشيع للمجتمع من المنظور الثقافيّ الكثير من الأمل والإحساس بقيمة الكتابة والتعبير عن الأفراح التي نعيشها هذه الأيّام في احتفالاتنا الوطنيّة المجيدة بالكلمة والمحبّة على أثير الأردن الذي يظلّ يحقق النجاح تلو النجاح ويتجاوز المحن وكلّ المستجدّات والطوارئ بحمد الله.