"أمة في خطر": الزاوية الحرجة في "نتائج التوجيهي" ..
د. باسم الطويسي
11-02-2010 03:56 AM
لم يستقل وزير التربية والتعليم ولم تصلنا إشارات لحركة تصحيحية قادمة في قطاع التعليم، ولا مراجعة كبرى منتظرة، ومن الواضح أيضا انه لن يصدر عندنا تقرير بقيمة التقرير الشهير الذي صدر في الولايات المتحدة في نهاية الخمسينيات تحت عنوان "أمة في خطر" وأعاد في حينه تحديد مكانة الولايات المتحدة ودورها في قيادة العالم من خلال مراجعة نظم التعليم وإدارتها.
لم تتجاوز مناقشتنا لحادثة التوجيهي في حدها الأقصى المطالبة باستقالة الوزير الذي لم يمض سوى أسابيع قليلة على رأس الوزارة وورث فجأة مشاكلها وأزماتها ووجد نفسه فجأة على شاشة التلفزيون الذي كان فيه ضيفا يوميا يطل على الناس يهدي للحكمة ويدعو لمكافحة الفساد والترهل، ووجد نفسه من دون عدة ولا عتاد في دراما سوداء لتحولات مثقف السلطة!
قد تكون بالفعل مسألة الخلل في إعلان نتائج الثانوية من زاوية ما مجرد مسألة فنية أحدثت كل هذا الاضطراب الذي قد يحدث في أي بلد في العالم، ولن نصادر حق من يريد أن يأخذ الموضوع من هذه الزاوية، فكما أن جوهرالمسألة ليس هناك، فهو أيضا ليس في ميدان المعركة التي بطحنا فيها الوزارة على ورق الصحف وعلى مواقع الانترنت جلدا أو تبريرا، إن المسألة تكمن بالتحديد في الصراع على مستقبل التعليم في الأردن.
سلسلة أزمات متوالية يشهدها التعليم في الأردن منذ سنوات شملت الجامعات والتعليم العام، ليس أولها ولن يكون آخرها أزمة نتائج التوجيهي‘ تعبر هذه الأزمات بالدرجة الأولى عن صراع غير مباشر على مستقبل التعليم، ينال شكل ومضمون ومسار التعليم الذي يعد أغلى وأثمن أشكال رأس المال الوطني.
هذا الصراع ضرب في العمق مكانة المؤسسة التعليمة الأردنية ونال من دورها ووظيفتها عبر اختلاط وإرباك القيم التنظيمية وقيم الإصلاح، وعدم وضوحها، وبالتالي دخلت المؤسسة التعليمة ومن حولها المجتمع في دوامة وحلقة مفرغة؛ ماذا نريد من التعليم والى أين يسير؟ ولعل مشهد أرباك يوم حادثة التوجيهي واحد من مظاهر الأزمة الإصلاحية الكبرى في التعليم، كلنا في المجتمع وفي مؤسسات التعليم ومؤسسات الدولة والإعلام ندرك الحاجة لإصلاح تعليمي وتربوي، ولكن لا توجد إلى هذا اليوم رؤية وطنية متماسكة لا في التعليم العام ولا في التعليم العالي قادرة على الصمود على مدى سنتين فقط.
عبرت حادثة التوجيهي عن ثلاث أزمات فرعية مصدرها الأزمة الإصلاحية الكبرى في التعليم.
الأزمة الأولى؛ هشاشة مسار تطبيقات تكنولوجيا المعلومات في المؤسسة التعليمية الأردنية التي تحولت خلال العقد الأخير إلى إيديولوجيا أكثر من كونها أداة للمعرفة وبيئة للتكيف مع العصر، يكفي ان نراجع على سبيل المثال مدى ملاءمة المعرفة التي حصل عيها الطلبة في مجال تكنولوجيا المعلومات أو المعلمين في التدريب مع الحاجة إلى تطوير قدرات عملية يستفاد منها في الحياة العملية، وحتى في الجامعات، هذا العام سوف نحتفل بمرور 25 سنة على بدء التدريس في أول أقسام الحاسوب في الجامعات الأردنية وعلى مدى هذه السنوات سال وادي السيلكون الأردني بمياه غزيرة بالحديث عن التعليم الالكتروني والمحصلة لا تتجاوز حدود (البوربونت) و(الداتاشو).
الأزمة الفرعية الثانية تتمثل في الإزاحة في مسار التطوير والتحديث بشكل مبالغ فيه نحو قيم قوى السوق ومنطقها حيث لا شيء يتراكم ولا توجد تحولات كيفية حقيقية، فهناك عشرات المشاريع كل يعمل وحده ولا اثر يلمس بعد نهاية المشروع. يكفي أن نراجع عشرات المشاريع التي نفذت لحساب قطاع التعليم.
قس على ذلك مشاريع الوكالات الدولية التي شكلت وزارات ظل ليس لأنهم يريدون ذلك بل لأنهم وجدوا فراغا واسعا بحاجة لمن يملؤه.
الأزمة الثالثة تبدو في أن مسار الإصلاح المفرّغ من المضمون، أوجد حالة من الترهل وبيئة مزدهرة للفساد. ألم نكن نقول دوما لطالبنا إن الامتحان والعلامة والشهادة هي شرف المؤسسة التعليمية، ألم تكسر هذه البلورة من أعلى المستويات؟
الخلاصة حينما تُهَز المؤسسة التعليمة يجب أن َهتز الدولة بأكملها، لأن المجتمع بأكمله في خطر.
الغد