كنا على مشارف تلة البقعة، ثلاثتنا وآلاف الاشجار تحمي ظهرنا في العودة الى عمان من قرية سوف الوادعة الآ من صخب عبدالله العتوم وضيوفه عندما تدفق الحديث على لسان مازن مصطفى يشرح آلام الحب من طرف واحد، قبل ان يداهمنا الرفيق الثالث الذي كان غافياً على المقعد الخلفي كل ما قلته صحيح الا في حالة عشق الاردن وسرد القصة التالية على لسان الحاج محمود سعيد والتي كانت على شكل وصية من رجل اثقل سنون عمره الثمانين ولما تثقله يا ولادي هذي البلد حبها من قلبك بتعطيك من قلبها.كان وقع الحكمة صوفياً بامتياز فقد اخرجتنا دائرة المعاناة الى تفاصيل الوجد خاصة وان ظلال حب عبدالله العتوم والذي وصفه على صفحات الدستور بانه كالقمح لا يحصد اخضر تملأ رئتي وجداً ورعباً، فالخال اطال الله عمره اول الدفء الابوي في درب المتاعب وانموذجا لفارس عاشق عاد بسيارة تكسي صفراء من وظيفته التي مارس فيها كل طقوس العشق ومفرداته وما انكفأ او ارتد.
بعدها اعاد مازن الحوار الى دائرة الحب نفسه واستحضرت انا بطل رواية الحب في زمن الكوليرا الذي افنى خمسين عاماً ونيف من الحب قبل ان تكون المقبرة شاهداً على اعلان حبه وولادته لا شاهد القبر.
كانت عمان تقترب وكان صوت خالد الكركي حاضراً وهو يجهر بين شعر للمتنبي في تقديم عميد الصحافة وشيخها في خارج النص محمود الكايد كابرز عاشق حر.
وما شئت الا ان اذل عواذلي
على ان رأيي في هواك صوابُ
كانت عمان معشوقة مخلصة وكنت بدأت اقطف ثمار الحب وتبادله مع تلالها السبع ويومها خرج تعبير عشق عماني اعاده مازن مصطفى على روف الباشا مصطفى القيسي فاستكثره عليّ الدكتور مصطفى الحمارنة في ساعة شر اثر تعليقي على دراسة حينها حول البطالة اعدها المركز الاستراتيجي في الجامعة الاردنية.
عمان تعلف طائر الرغبة والشهوة الجامحة، تسقيه ماء القلب ينمو له جناحان.. يطير وفق شبقه ووفق اصله الاول.
الحب من طرف واحد قصة انعتاق قطرة المطر من على اوراق القلب في لحظة تمسكها بالاوراق ولحظة انعتاقها لمعانقة امها الارض.
كان الوجع سيد الموقف وكانت تلك الصبية التي راقصت تبغ سجائر الطفولة ما زالت واقفة تقطف من بيدر القلب لوزة خضراء نمت على شجرة الجيران في غفلة.
وكانت تلك الذكريات هناك، ولكننا الان هنا.
كانت القصة سحابه صيف قبل ان يتوقف الحديث نبعاً عن سلسلة من الانكسارات المتلاحقة لنا جميعاً، وكيف ان المقياس العاطفي لنا جميعاً توقف عند تلك المرأة التي صدتنا كنا نرسم شعرها على شعر المرأة الحاضرة، طولها، عيونها، كل ما فيها كنا نبحث عن اسقاط لها على صحراء حياتنا العاطفية ولم نزل.
الحب من طرف واحد يهرب من الذاكرة مثل مياه بين اصابع طفل يغازل ماء البحر للمرة الاولى، ولكن ابداً لا ينمحي من ذاكرته، ويصبح الماء دوماً في حضرته بحراً. فلا هو نجح في الامساك به ولا استطاع نسيانه.
وهكذا هو الحب من طرف واحد مؤلم بخدر لذيذ ولا ينمحي من الوجدان الا في حالة عشق الاوطان فانه موجع ... موجع ..موجع