العلماء مراتب ومنازل، نحترمهم ونقدّرهم، وندعو لهم جميعًا، ومن علامات التقدير المعتبرة الألقاب التي تطلق عليهم، وتلازمهم في حياتهم وبعد مماتهم.
ومثال ذلك أن شيخَ الإسلام ابن دقيق العيد هو الذي لقّب شيخ الإسلام والمسلمين عزّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام سلطانَ العلماء.
ومن الألقاب المعروفة (أمير المؤمنين في الحديث) ويطلق على الحفاظ المتقنين لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أطلقه سفيان الثّوري على الإمام شعبة بن الحجاج، قال الإمام الشافعي: لولا شعبة لم يُعرف الحديث بالعراق. وكان شعبةُ يقول: محمد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث وقد قال شعبةُ وابنُ عُييْنة وابنُ معين: سُفيان الثّوريّ أمير المؤمنين في الحديث، ولمّا سئل الإمام يحيى بن مَعين عن الإمام ابن المبارك قال: ذاك أمير المؤمنين في الحديث.
ومن الألقاب المعروفة (شيخ الإسلام) وهو لقب يطلق على العلامة المتبحر، وقد ناله كثير كثير من علمائنا، وقد حاول البعض أن يحصرَه في إمام واحد يتّبعه، وكأنّ اللقب يخصّه وحده، ولم يُطلق على أحد سواه، وهذا غير صحيح، فلو بحثنا في كتب التراجم وجدنا عددا كبيرا أطلق عليه هذا اللقب، مثل: شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني، وشيخ الإسلام محيي الدين النووي، وشيخ الإسلام أبو عمرو بن الصلاح، وشيخ الإسلام فخر الدين الرازي، وشيخ الإسلام تقي الدين السبكي، وشيخ الإسلام تاج الدين السبكي، وشيخ الإسلام أبو بكر البيهقي، وشيخ الإسلام زكريّا الأنصاري، وشيخ الإسلام أبو حامد الإسفراييني، وشيخ الإسلام ابن دقيق العيد، وشيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام، وهؤلاء كلّهم من الشافعية فقط. كما أطلقت الدولة العثمانية هذا اللقب على من يتولى منصب الإفتاء فيها، وآخر من ناله شيخ الإسلام مصطفى صبري، عليه رحمة الله.
لا شكّ أنّ هذه الألقاب لم تُطلق على سبيل المجاملة أو المحاباة، فكلّ واحد من هؤلاء العلماء بحرٌ لا ساحل له، علمًا وبحثًا وتأليفًا، أما الآن فنجد الألقاب (على قفا من يشيل) ففلان العلامة الفقيه، ولم يقرأ كتابا في الفقه في حياته، وفلان العلامة المحدّث ولا يحفظ خمسة أحاديث بأسانيدها، وفلانٌ العلامة البحّاثة الذي وظّف مجموعة من الطلاب تكتب له وتُخرج الأعمال باسمه، دون أن يكتب فيها كلمة واحدة، وهكذا أصبحت هذه الألقاب لا تدلّ على حقيقة في الواقع، إنّما هي في معظمها مجاملات في مجاملات.
الدستور