وسط ظرف جائحة كورونا المستجد , اجرى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين " حفظه الله" مكالمة هاتفية هامة بتاريخ 11 حزيران 2020 مع فخامة رئيس الفيدرالية الروسية فلاديمير بوتين , تناقلتها وسائل الاعلام المحلية و الاقليمية و الدولية , وتضمنت الاتفاق حول التعاون من اجل مكافحة كورونا COVID 19, ومواصلة التصدي للأثار الانسانية و الاقتصادية الناجمة عنه . وتم بحث اخر التطورات الاقليمية و الدولية خصوصا تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية, و التأكيد على متانة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين الاردن و روسيا , و الحرص على التعاون في مختلف المجالات . وهنا, و بتواضع , و بأعتباري خبيرا في الشأن الروسي , استطيع ان ادلي بدلوي في العلاقات الاردنية الروسية و تطوراتها وعلى اكثر من مستوى . وهي التي أطلق عنانها في عمق الزمن المعاصر من القرن الماضي العشرين و تحديدا عام 1963 مليكنا الراحل العظيم , الحسين طيب الله ثراه . و استجاب لها في العهد السوفييتي الزعيم نيكيتا خروتشوف . و سارت منذ ذلك التاريخ بوتيرة ثابتة تجاه التطور الدائم , و مشكلة ركيزة هامة , و قبة لميزان الحرب الباردة بعد مسافة زمنية من نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 .
ماذا بأمكان ان يقدم الاردن لروسيا ؟ وما ذا بأمكان ان تقدم روسيا للأردن الان ؟ وكلنا نعرف بأن جهد كل من جلالة الملك عبد الله الثاني و الرئيس بوتين كبير جدا في مجال ترسيخ العلاقات الاردنية الروسية و بالعكس , وعلى اكثر من مستوى و مجال .
منذ تاريخ 2 اذار من العام الجاري ومع تسجيل اول حالة كورونا اردنية قادمة من ايطاليا اتخذ الاردن عدة اجراءات احترازية وشكل خلية ازمة و غرفة عمليات تابع عملها مباشرة جلالة الملك اولا بأول و بكامل التفاصيل , و فرض الحجر الصحي على القادمين من الخارج , و استفاد من التجربة الصينية في عزل المدن و المحافظات , وعلق رحلات الطيران , واغلق المنافذ البرية و البحرية و الجوية بداية , و عطل المدارس و الجامعات , وفعل قانون الدفاع لعام 1992 , ووصل الى رقم 11 منه بهدف المحافظة على المجتمع الاردني و الوطن عبر الزام ارتداء الكمامات الواقية , و عبر التباعد الاجتماعي , واوقف عمل جميع المؤسسات و الادارات الرسمية و القطاع الخاص بأستثناء الحيوية و الطبية منها , ومنع المواطنين من مغادرة منازلهم الا في الحالات الضرورية ,ومنع التجمعات البشرية , و اوقف التنقل بين المحافظات , وعلق الزيارات لمرضى المراكز و المستشفيات , و اوقف عمل المواصلات العامة . وبعد شهرين من ازمة كورونا و بالارتكاز على تعليمات لجنة البيئة و خلية الازمة بدأ الاردن يفرج تدريجيا و بحذر عن اغلاقات القطاعين العام و الخاص , و حركة الحياة , واجل عمل المدارس و الجامعات خاصة الى مطلع الشتاء القادم في شهر سمبتمبر . وجهد وطني كبير و ملاحظ لقواتنا المسلحة الاردنية الباسلة و لأجهزتنا الامنية الموقرة , و لوزيري الاعلام امجد العضايلة و الصحة سعد جابر , و تفهم مباشر للمواطن الاردني المتعلم و المثقف لمعايير الصحة و السلامة العامة عبر الالتزام بالبيت و بالكمامات , و بالتباعد الاجتماعي . و هو الامر الذي ثبت الاردن على خارطة اقل الدول تعرضا لأفة جائحة كورونا التي اصابت عالميا كافة الاعمار و بأرقام عالية مرعبة , و ابقت على احتمال عودة موجة كورونا ممكنه في قادم الايام و الشهور . و تصريح هام لدولة رئيس الوزارء الدكتور عمر الرزاز المشرف و المتابع لأزمة كورونا بدقة منذ بدايتها , وهنا , بتاريخ 22 ايار 2020 تحدث فيه لوكالة الانباء الاردنية بترا على ان الحكومة تعمل على منظومة مرتبطة بمعايير و مؤشرات تصنف كل ماهو صحي و اقتصادي بألوان بدءا من الاحمر الخطر و ينتهي بالابيض عالميا للوصول الى اعلان نهاية الجائحة .
وحسب موقع اخبار الان – دبي- الامارات العربية . كتب محمد الطعاني بأن الدول العربية سجلت نسبة شفاء مرتفعة من فيروس كورونا و في مقدمتها الاردن , و بنسبة وصلت الى 54,9% في بلد تعداد سكانه اكثر من 8 ملايين نسمة . ولقد بلغت حالات كورونا في الاردن حتى تاريخ 28 ايار 2020 , 890 حالة سجلت من وسطها 9 وفيات فقط . و الوضع الصحي في الاردن تحت السيطرة . ولقد شكر صاحبي الجلالة الملك عبد الله الثاني و الملكة رانيا العبد الله رجل الاعمال الصيني جاك ما على تبرعه السخي للاردن ب 100 الف شريحة اختبارية لمواجهة فيروس كورونا المستجد الى جانب معدات طبية اخرى تناقلته وسائل الاعلام .
و روسيا في المقابل دولة عظمى تعداد سكانها حسب تقرير حديث للامم المتحدة اكثر من 141 مليون نسمة , ومساحتها ثلث مساحة الكرة الارضية اي اكثر من 17 مليون كلم2 . و فايروس كورونا لم يصل اليها مبكرا لكنه اجتاح الصين اولا و استعدت له روسيا ثانيا . و انتشر في اوروبا قبل ذلك و في امريكا , و سجل ارقاما مرتفعة من الاصابات و الوفيات , و لم تشهد روسيا ارقاما مرتفعة بأصابات كورونا الا في الفترة الزمنية الاخيرة . و حافظت على نسبة وفيات منخفضة جدا . ومع هذا لم تغلق انفاق قطارات الميترو لديها تحت الارض , وهي التي تخدم ملايين الناس معظمهم من الروس و السوفييت , و اعلنت عن اجراءات احترازية طبية مثل الكمامات و التباعد , و اغلاق المطارات الخارجية , وتأجيل صرف الفيزا للأجانب , و الطلب من السكان التزام بيوتهم لفترة زمنية , والغاء للمنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام 2020 , وهو الذي يعقد سنويا كما جرت العادة . وقدمت روسيا عونا طبيا مبكرا لايطاليا و لأمريكا رغم الحرب الباردة و العقوبات عليها من طرف الغرب الامريكي , و استقبلت عونا طبيا مماثلا من امريكا ذات الوقت . و بدأت روسيا برفع الحظر تدريجيا مع الاستمرار باجراء فحوصات مخبرية متخصصة على ناسها . ومعلومة مؤكدة من داخل روسيا تفيد بأكتشاف و اختراع الروس لعلاج مضاد حيوي ضد فايروس كورونا يدعى ( مفلوكين) و( افيفافير) , وهما مضاد للمالاريا ايضا , و لهما فاعلية سريعة ناجعة . وحسب تصريح لرئيس بلدية موسكو سيرجي سيبيانين لوكالة تاس الروسية مؤخرا يوجد اكثر من 300 الف مصاب في روسيا , ونسبة الوفيات بقيت متدنية جدا ,وتراجع تصنيف روسيا من الموقع السادس الى الخامس عالميا بعد انتشاره السريع في البرازيل . و عزل صارم للرئيس بوتين , و شفاء تام لرئيس وزارئه ميخائيل ميشوستين , و لمدير مكتبه الصحفي دميتري بيسكوف من كورونا . ومنع كبار السن من 65 عاما و اكبر من قيادة المركبات , و غرامات مالية تصل الى ما يعادل بعملتهم الوطنية الروبل الى 500 دولار امريكي .وفي المقابل انفراج روسي تدريجي و سريع على حركة الحياة في روسيا لوحظ في الاونة الاخيرة . واستعداد روسي لأحتفالية يوم النصر على الفاشية الالمانية يوم 24 حزيران الجاري عبر عرض عسكري من المتوقع ان يكون مميزا بمناسبة الذكرى 75 للنصر , وهو الذي تم تأجيله بتاريخ 9 ايار بسبب كورونا , و دعوة سابقة للرئيس الامريكي دونالد ترمب لأحتفالية النصر, و تمديد للحظر حتى تاريخ 22 حزيران . واستفتاء على الدستور سيعقد في البلاد الروسية الواسعة بتاريخ 1 تموز المقبل بهدف تصفير المدة الرئاسية للرئيس بوتين , و التمديد له لفترة زمنية رئاسية جديدة تمتد الى 12 عاما بعد عام 2024 ( عام انتهاء الفترة الرئاسية الحالية ) , اي الى عام 2036 .
والعلاقات الاردنية الروسية الدبلومسية , و السياسية , و الاقتصادية , و الثقافية متطورة , و هي محتاجة لمزيد من التطور , فلقد بلغ حجم التبادل التجاري اكثر من نصف مليار دولار , ومن الممكن تطويره عبر موازنة ميزان التبادل التجاري وعلى اكثر من مستوى اقتصادي , و عسكري , و سياحي , ولدينا في الاردن ما بأمكاننا تصديره لروسيا مثل الفوسفات , و البوتاس , و الصخر الزيتي , و المعادن , و المنتجات الزراعية المختلفة, و في مقدمتها الموز , و العنب , و الزيتون , و زيت الزيتون , و منتجات البحر الميت . و من الممكن فتح متجر اردني كبير في موسكو و اخر مثيل له روسي بعمان . و تشجيع السياحة الروسية للاردن الحضارية , و الدينية , و الطبية عبر تخفيض تذاكر السفر على الملكية الاردنية بين عمان و موسكو , و تحسين خدمات المسافرين على الطائرة الملكية , و عبر البحر ايضا الى مدينة سوتشي على البحر الاسود, و الى العقبة , و البحر الميت , و المغطس, و الى مختلف المناطق السياحية الاردنية مثل جرش و ام قيس . وفي المقابل السياحة الروسية اليوم بأمس الحاجة لرفدها بخبرات اردنية واجنبية اخرى , وعلى مستوى التعامل مع اللغة الانجليزية مباشرة و عبر الترجمة وضبط اسعار الخدمات . واعادة النظر بمتطلبات الحصول على تأشيرة الفيزا الى روسيا للاردنيين, و تطبيق التعامل بالمثل كما يفعل الاردن تماما , وهو الذي يمنح تأشيرة الدخول للاجانب , ومنهم الروس في مطار عمان و على الحدود . وثقافيا يقدم الجانب الروسي منحا دراسية للاردنيين و في مجال الطب تفوق المائة منحة دراسية اي حوالي 150 منحة , و قرابة 20 الف خريج اردني لروسيا و لبلاد السوفييت , و تبادل ثقافي بين الجامعات الروسية الهامة و الجامعة الاردنية ,ومنها في مجال تدريس اللغة العربية للروس يمكن تطويرها لتشمل اختصاصات السوق الاردني المطلوبة و الهامة وحاجة روسيا ايضا , وفي مجال الطاقة . وخطوة سفيرنا السابق في موسكو امجد العضايلة بفتح زاوية للغة العربية في جامعة صداقة الشعوب مقدرة و مشكورة . وان اوان تطوير الملحقية الثقافية الاردنية في موسكو و فق برنامج يعكس الهوية الثقافية الاردنية عبر الفلكور و الموسيقى, و يعرف بها المجتمع الروسي , و لرفد مهرجاني جرش و الفحيص بالفن الروسي المتميز في المقابل , وفي صدارة عملها الواجب ترتيب عرض سنوي لموسيقات قواتنا المسلحة الاردنية الباسلة – الجيش العربي في موسكو في عيد الاستقلال , و خاصة مناسبة عيد استقلال الاردن الخامس و السبعين القادم , و مئوية الدولة الاردنية . والاستمرار بأستضافة الفن و الموسيقى الروسية مثل فرقة ماسييفا و غيرها داخل عمان . وعلى مستوى الصناعات العسكرية لدينا في عمان و في موسكو معارض متخصصة و متطورة مثل معرض سوفيكس الدولي بعمان الذي تشارك به روسيا سنويا منذ عام 2002.
و العلاقات الاردنية الروسية الثقافية معنية ايضا بالتعريف بالابداع الادبي , و السياسي , و الفني , و الرياضي , وهنا في الاردن لدينا من يكتب في الشأن الروسي و يواجه الفوبيا الروسية , و في روسيا يوجد من يكتب في الشأن الاردني , و ينصف الاردن و العرب مسلمين و مسيحيين , و يواجه الاسلام فوبيا .
وعمق العلاقات الاردنية الروسية السياسية عريق و متوازن , ومتاطبق , و منصف للقضية الفلسطينية اولا و لقضايا المنطقة في الموضوع السوري ايضا , حيث تم الاتفاق على منطقة خفض التصعيد جنوب سوريا , وعلى الحل السلمي للأزمة السورية , وعلى تطويق الارهاب , والان مكالمة هاتفية ملكية هامة للتعاون ايضا من اجل مكافحة فايروس كورونا المستجد و المهدد لأمن الانسان في كل العالم . ولقاء جلالة الملك عبد الله الثاني مع الرئيس بوتين على هامش حوار و منتدى فالداي عام 2019 المنصرم غاية في الاهمية , حيث ثبت وقتها جلالة الملك النقاط السياسية الخاصة بالمنطقة على الحروف الواجب التعامل معها سياسيا , و اقتصاديا, و امنيا وتم التركيز على القضية الفلسطينية , و سوريا , و الحرب على الارهاب . ولقد قال جلالته وقتها : ( لقد اصبح واضحا بعد سبعين عاما ان السلام في الارض المقدسة لا يمكن ان يتحقق من خلال قرارات احادية او بالعنف, ولا يمكن فرضه من خلال سلب الاراضي و بناء الجدران لتفصل بين الجيران , ولا يمكن ان يأتي عن طريق خرق القانون الدولي . و استدرك جلالته قائلا ان البديل عن حل الدولتين هو دولة ثنائية القومية غير ديموقراطي, و قوانين غير متساوية. و علينا ان نختار طريقا افضل و اكثر فاعلية , ولكل منا دور حيوي في تحقيق ذلك ) , انتهى الاقتباس . ولقاءات مستمرة بين وزير خارجيتنا ايمن الصفدي و نظيره الروسي سيرجي لافروف تصب في دعم القضية الفلسطينية العادلة , و السورية كذلك , و لمكافحة الارهاب .
ومثلي هنا مثلا لقاء 19 فبراير 2020 بين وزيري الخارجية الاردني و الروسي في موسكو الذي اشاد فية لافروف بأولوية القضية الفلسطينية , و جعلها من رأس اولويات المجتمع الدولي , ودعم مفوضات لتسويتها بجهد الرباعية الدولية و الجامعة العربية . و اشادة روسية من قبله بالمركز الاردني الروسي الخاص بأعادة اللاجيء السوري الى وطنه , و لاعادة اعمار جنوب سوريا . و انصاف للصفدي لدور روسيا في حل ازمات المنطقة وفي مقدمتها حل الدولتين , والتمسك بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين كاملة السيادة .