هل فقدنا الذاكرة بعد الحجر؟
د. كاترينا ابو فارس
14-06-2020 03:13 AM
يبدو اننا اصبنا بحالة « فقدان الذاكرة» بعد «حادثة الكورونا» التي تعرضنا لها قبل ما يزيد عن ثلاثة اشهر، وما
رافقها من حجر الزامي وخوف وقلق وانغلاق الافق وعدم اليقين. ولمن لم يعد يتذكر.. نقول : باننا عانينا الكثير
صحيا ونفسيا واجتماعيا واقتصاديا، ولا نزال نلملم اوراق حياتنا الطبيعية المبعثرة، بعد ان دفعنا الثمن باهظا، كغيرنا من شعوب الارض، واستطعنا ان ننجو ونتجاوز مرحلة الخطر الشديد، من خلال التزامنا «المغموس»بالالم والمعاناة، من خلال اجراءات تقييدالحياة الطبيعية التي كان لا بد منها، وصولا الى مرحلة التعافي الاقتصادي والاجتماعي والنفسي. لكن البعض منا قد نسي -على ما يبدو- معاناة المرحلة السابقة وعاد ليمارس طقوس حياته السابقة وكأن شيئا لم يكن، ضاربا عرض الحائط بتعليمات التباعد الاجتماعي،واستخدام الكمامات، وعدم التقبيل، والاكتظاظ، اما بسبب جهل وانكار لخطر وبائي لا يزال قائما، او تمردا عن سبق اصرار وتعمد، معرضين حياتهم ومجتمعهم الى اخطار لا تحمد عقباها، ممايتطلب اجراءات مكثفة سريعة وحازمة باتجاهين: التوعية، وانفاذ القانون في ان واحد (!). اذ ليس من المقبول،باي حال، ان يتحول المجتمع إلى ضحية ورهينة لاهواء وممارسات البعض،بعد كل ما تم انجازه حتى الساعة في مجال احتواء الوباء، من خلال الاجراءات السريعة والحازمة،والتخطيط السليم، والجهود الجبارة التي بذلتها كافة الجهات المعنية بادارة الازمة، وكذا وزارة الصحة وفرق الرصد الوبائي والقوات المسلحة والاجهزة الامنية، التي واصلت الليل بالنهار لتقدم اداء مميزا وانجازات مشهودة،كانت محط اهتمام العالم واعجابه. وكان من المنطقي ان نستفيد من هذه التجربة وتوظيفها في مرحلة رفع الحجر ووقف الاجراءات المقيدة للحياة الطبيعية، وصولا للتعافي الاقتصادي والاجتماعي، والذي كان ولا يزال التحدي الاهم لمحو آثار الكارثة الوبائية.
وهنا لا بد من عدم الملل من تكرار التذكير من ان التراخي واللامبالاة، وعدم الالتزام بالتعليمات واجراءات التباعد الإجتماعي، والسلامة الشخصية والمجتمعية، محفوفة، بمخاطر حدوث انتكاسة جديدة، وعودة انتشار المرض بوتيرة وبائية يصعب تتبعها والسيطرة عليها، مما يستدعي عندها العودة، لا محالة، إلى إجراءات تقييد الحياة الطبيعية مرة اخرى، وهو ما وصفه جلالة الملك بالسيناريو الأسوأ، الذي لا نريد الوصول اليه(!). فذلك يعني اننا عدنا الى المربع الاول، بل ويمثل اجهازا على كل ما انجز، او كما يقال: «حراث جمال»!، وتخريب لكل ما كنا حققناه ودفعنا ثمنه غاليا نفسيا واجتماعيا واقتصاديا، والتي لا تزال آثاره ماثلة أمامنا الآن، بل ويبدو انها ستستمر في مرحلة التعافي القادمة.
واخيرا، فنحن حقا امام تحديات حقيقية وجدية : اما ان نتحمل مسؤولياتنا كاملة بالالتزام الصارم بالتعليمات الصادرة عن الجهات الصحية والرسمية المعنية بمواجهة الوباء، او نستمر في ممارسات انكار الخطر الذي يمثله هذا الفيروس، الذي لا نملك علاجا له حتى الساعة ؟!. واذا ما سرنا وفق الخيار الثاني، فلنعلم ان حياتنا لن تكون طبيعية كما نريدها، وسندفع الثمن غاليا مرة اخرى. فالقرار قرارنا، والكرة في ملعبنا. فماذا نحن فاعلون؟!..
الدستور