تعريفة واحدة فقط تكفي من مشاريع الطاقة
د. م. محمد الدباس
14-06-2020 12:25 AM
في ظل صدور نظام معدل لنظام الخدمة المدنية يجيز لمجلس الوزراء أن يقرر إيقاف أو تأجيل أو تعديل، أو إقتطاع أي جزء من رواتب الموظفين العموميين أو علاواتهم أو مكافآتهم أو حوافزهم، أو أي بدلات يتقاضونها للمدة التي يراها مناسبة، على أن يتم إعادة النظر بهذا القرار عند زوال الظروف الإستثنائية؛ كل ذلك لمجابهة الآثار الإقتصادية والمالية للظروف الإستثنائية التي فرضتها الحالة.
وللتذكير فقط فقد كتبت سابقا في هذا المقام، بأن فرصة التعاقد الذي تمت في مجال التحوط لشراء المشتقات النفطية قد وفرت على الأقل (60%) من القيمة الحقيقية لهذه المشتقات للفترة لما قبل كورونا وكانت لشهر واحد فقط، كون تم الشراء في أوج إنخفاض سعر النفط والمشتقات النفطية، وبالتالي تم توفير على الأقل ما نسبته (27%) من قيمة مقدار (دعم الخبز) المطلوب للطبقات الفقيرة والبالغ (120) مليونا؛ لكنها أضاعت (فوات كسب) في هذه الفرصة يساوي مقدار دعم الخبز المطلوب والبالغ (120) مليون دينار لو تم شراء احتياطي يغطي (فقط) 31.7% من السعة التخزينية الإجمالية للمملكة!! أو لو تم التعاون والتنسيق مع الشركات التسويقية وشركة مصفاة البترول الأردنية، والتي لها الحق في ممارسة مثل هذا النشاط المتعلق بالإستيراد.
كما أذكّر أيضا؛ بأنه ولأغراض تخفيف حدة أثر فاتورة الطاقة التقليدية على الإقتصاد الوطني، فقد تم وضع عدة أهداف إستراتيجية لقطاع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، علما بأن أولى حالات البحث والتطوير في إستغلال الطاقات المتجددة كانت بهدف تحقيق ما نسبته 10% من مجمل الطاقة المستهلكة (كسنة أساس) في عام 2008 ولتحقيق هذا الهدف قبل العام 2020، أي لتحقيق هذه النسبة ألـ (10)% من مصادر الطاقة المتجددة، وتحقيق ما نسبته 20% قبل العام 2020 من خلال تحفيز قطاع كفاءة وترشيد الطاقة، أي تحقيق خفض في إستهلاكات الطاقة بمقدار (20)% نسبة للطاقة المستهلكة في عام 2008 كسنة أساس في حينه.
لكن لاحقا تم تبني خطة إستراتيجية لرفع مساهمة الطاقة المتجددة من حوالي 2% في عام 2014، لترتفع إلى حوالي 10% في نهاية عام 2018، وإلى ما نسبته 16% في عام 2019 متطلعة الوزارة (في حينه) ومؤسسات القطاع إلى رفعها إلى ما يقارب 20% بنهاية العام الحالي 2020.
وعليه؛ فقد تم إعداد التشريعات الناظمة للقطاع؛ وأضيف بأن وزارة الطاقة قد قامت في حينه (وبجهد دؤوب) بإعتماد خطتين وطنيتين لترشيد الطاقة ولتحقيق خفض مؤمل في الإستهلاكات وفي كافة القطاعات، حيث تم في وقت سابق تعميم هاتين الوثيقتين على كافة الجهات المعنية ومنها رئاسة الوزراء لإعتمادهما وتطبيقهما بهدف الحد من الهدر في الطاقة. وهما الخطة الوطنية لكفاءة الطاقة للأعوام 2012-2014 والتي كانت تهدف لتحقيق خفض حوالي (806) GWh، أي ما نسبته حوالي7.6% ولتحقيق هذا الهدف في عام 2014، والخطة الوطنية الثانية لكفاءة الطاقة للأعوام 2017-2020 والتي كان هدفها تحقيق خفض بمقدار (2000) GWh.
مما يعني ويستنتج بأن صاحب القرار في وزارة الطاقة ومؤسسات القطاع التابعة له، ومنها شركة الكهرباء الوطنية كانا على علم ودراية تامة بأن قطاع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة ستلعبان دوراً مهماً في توليد الطاقة الكهربائية، والحد من الهدر فيها وفقا لهذه التشريعات، وحيث أنني (إبن قطاع الطاقة)، فأعتقد بأنه قد كان لدى المعنيين العلم بأن العديد من المستهلكين سواءً كانوا مستهلكين إعتياديين أو مؤسسات أو قطاعات صناعية أو تجارية ستنسحب تدريجيا من قائمة المستهلكين الكبار للطاقة الكهربائية وفقا لهذه التشريعات الصادرة في حينه، وبالتالي فإنه كان متوقعا حصول (إنخفاض بالطلب) على الطاقة الكهربائية وهذا ما تم لاحقا؛ مما كان يستدعي حسب (وجهة نظري الفنية) عدم التوسع في منح رخص توليد طاقة كهربائية إضافية، وتحديدا لمنشآت مشاريع الطاقة المتجددة. فكيف تم ذلك لمنح تراخيص إضافية؟ وما هو مصير الفائض من الطاقة الكهربائية أمام إلتزامات حكومية بشراء هذه الطاقة الفائضة ضمن مبدأ (Take or Pay)؛ ومن المسؤول عن التوسع في (الإغداق) في منح إعفاءات مالية لهذه المشاريع، والتي جاءت بموجب إعفاءات شاملة وصدرت بموجب قرارات لمجلس الوزراء في حينه، حتى وصل الحال بمعظم مطوري هذه المشاريع باللجوء لمجلس الوزراء للحصول على هذه الإعفاءات؛ حيث لم يرتضوا بالإعفاءات الممنوحة بموجب نظام الإعفاءات الصادر بموجب قانون الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة، فلم كان هذا الكرم الطائي؟ وكيف تم؟ ومتى سنستر عورة إنكشاف المال العام، وعدم الإستهتار به من خلال ما تم من إجحاف مالي بحقوق الوطن والمواطن؟!.
ليس هذا فحسب..فمشاريع الطاقة الجديدة القادمة ستكلف الخزينة أعباءً إضافية أخرى، فمشروع العَطّارات الأخير بإستطاعة (470) ميغاوات، هو مثالٌ آخر لمسيرة قوافل القرارات الإدارية التي أُرتكبت في ظل وجود فائض من الكهرباء المولدة من جهة وبكلفة شراء غير معتدلة من جهة أخرى فمن سيدفع ثمنها؟!!..وهذا يقودنا إلى أننا كنا ننفذ مشاريع بدون رؤية شمولية للتخطيط الفني المؤسسي للقطاع حسب معدلات الإستهلاكات المتوقعة على المديين المتوسط والبعيد، وهذه هي مسؤولية وزارة الطاقة تحديداً وشركة الكهرباء الوطنية، واللتان لم تنجحا (فعليا) بهذه المهمة، والتي سنعاني من آثارها المالية تباعاً. فقد أرهق –وللأسف- قطاع الطاقة كاهل الخزينة العامة على مَرّ السنين، وكل ذلك كان نتيجة حتمية لِسوء التخطيط المؤسسي في هذا القطاع؛ بالرغم من الجهود التي بذلت على مر السنين كمحاولات حثيثة للمناورة.
وبحسبة بسيطة؛ فتخفيض سعر بيع الطاقة الكهربائية بمقدار (تعريفة واحدة) أي (خمسة فلسات) فقط لمشاريع الطاقة المتجددة المتعاقد عليها والتي هي في طور التشغيل التجاري، ولمدة ما تبقى من فترات التعاقد للمرحلتين الأولى والثانية لمشاريع الطاقة المتجددة بشقيها مشاريع الشمس والرياح؛ فإن ذلك سيحدث (إن نجحت وزارة الطاقة في ذلك) وفراً ماليا بما لا يقل عن (300) مليون دينار للخزينة العامة؛ وبمعدل وفر مالي لا يقل عن (20) مليون دينار سنوياً، ناهيك عن حجم الإعفاءات المالية التي تمت لمثل هذه المشاريع والتي كانت تقدر بالملايين، ويستدعي ذلك حُسن التفاوض والإصرار في معركة سنحمي (ظهورنا) فيها، ونرتقي بموظّفنا ونصون فقيرنا المعدوم، وليكن عنوانها التشابك الإيجابي على مبدأ تحقيق الخصم المطلوب؛ بالإستناد إلى مبررات متعددة تملكها الحكومة وفرضتها الأزمة أمام إتفاقيات مجحفة ماليا بحق الوطن؛ لن نبتغي منها إلا خصم (الفتات)، ستغني الحكومة عن إحداث شرخ بالثقة بين الموظف العمومي وبين الحكومة التي يعمل لديها هذا الموظف، كما لن تحتاج هذه الحكومة للتخلي عن مقدار دعم الخبز المخصص أصلا للطبقات الفقيرة...
"حمى الله الوطن والقائد وحماكم جميعا".