النكسة في ذاكرة الملك حسين (3-3)
د.مهند مبيضين
14-06-2020 12:19 AM
تحدثنا في المقال السابق عن الظروف الأمنية في الأردن عشية النكسة، بالاعتماد على كتاب «حربنا مع إسرائيل» ومقارنة مع كتاب مهنتي كملك، ص 199-213). وقد بدت ظروف ما بعد إغلاق مضايق تيران، منذ منتصف ليل 23 أيار/ مايو 1967، غريبه، وقد تفسر ذهاب الملك حسين رحمه الله لاحقًا إلى مصر، على الرغم من إيمانه بأن المواجهة كانت خاسرة، وهو يُقر بأن المعركة انتهت بوصفها معركة مصير عربي مشترك، إذا نشبت الحرب فـ «القضية تصبح قضيتنا جميعًا إذا نشبت الحرب، هذا ما علمتنا إياه التجارب»( حربنا مع إسرائيل، ص 29). وهو يبين أن خلافات العرب تصلح للاستهلاك داخل المعسكر العربي، لكنه وقد رأى الثوريين يتظاهرون ضده، في أحداث تشرين الثاني/ نوفمبر 1966، بات مدركًا أن أي حرب لا يكون فيها شريكًا مع مصر وسورية ستؤثر سلباً على الأردن، لأنه مهما قدم من تبريرات لموقفه، لن ينال من التقدميين إلا التهم بالمسؤولية عن ضياع القضية. لقد أنقذ الراحل الحسين الحكم والدولة في قرار المشاركة في الحرب، مدركًا أن البقاء في الحكم بعد خسارة او ربح الحرب ستجعل جميع الأطراف متساوين أمام الجماهير، سواء أكانوا في معسكر التقدمية الثورية أم مع الرجعية التقليدية.
ذلك ما أفصح عنه الحسين بقوله: «كان الأردن منذ سنة منبوذًا بين العرب»( حربنا مع إسرائيل، ص 31). وزاد الطين بلة، أن إغلاق المضايق وخليج العقبة، وسحب القوات الدولية من دون إشعاره، بل إنه علم بالقرارات من إذاعة صوت العرب. وبعد إعلان عبد الناصر استعداده للحرب، في 28 أيار/ مايو، في مؤتمر صحافي ضخم، أرسل الحسين الفريق عامر خماش، رئيس هيئة أركان الجيش الأردني، إلى القاهرة للقاء القيادة العربية الموحدة، وعاد خماش بحقيقة أن القيادة العربية مشلولة، وأن مصر تنفرد بالقرارات وحدها. ولم يكن هذا بعيدًا عما جرى لاحقا بتفويض مجلس الأمة المصري لعبد الناصر الصلاحيات الكاملة، وأُعلنت حالة الطوارئ.
في هذا الوقت استدعى الحسين سفير مصر، وأبلغه رغبته بلقاء عبدالناصر، برغم استمرار هجوم إذاعة صوت العرب على الحسين والأردن، وفي منتصف ليل 29-30 أيار، وصل خبر من القاهرة بترحيب مصر بمبادرة الحسين، الذي سافر صباح اليوم التالي، على متن طائرة «كارفيل» تابعة لشركة عالية قادها بنفسه، وأخبر من ودَّعوه أنه سيعود لتناول الغداء بعمّان، لكن المحادثات طالت ورافه رئيس الحكومة سعد جمعه، وقائد أركان الجيش عامر خماش، وقائد الطيران صالح الكردي، وضابط طيار برتبة نقيب.
يقول زيد الرفاعي (والنص هنا في الكتاب مقتبس من استشهاد لزيد الرفاعي، ص 34): طالت المحادثات، وكانت الزيارة سرّية كما اتفق، كنا نجتمع حول الإذاعة ننتظر ماذا تقول إذاعة صوت العرب. وفي الثالثة والنصف بعد الظهر قطعت الإذاعة برنامجها وأعلنت: «الملك حسين والرئيس عبد الناصر سيوقعان على اتفاقية دفاع مشترك».
يذكر الحسين أن عبد الناصر بدا مرتاحًا لزيارته، وأن الهدف منها يتضمنه قوله: «أرغب بأي شكل أن أبعث من الرماد القيادة العربية الموحدة». فاقترح الحسين تفعيل عمل القيادة العربية المشتركة، وقد اعترض عبد الناصر بعدم القدرة على ذلك بسبب اتفاقه مع سوريا، وقال الحسين مقترحًا: «يمكننا فورًا أن نعمل معاهدة بين بلدينا». وبناء على طلب الحسين، أمر الرئيس عبد الناصر بإحضار ملف المعاهدة المصرية - السورية، وقال الحسين: «أعطني نسخة أخرى لنضع كلمة الأردن مكان سوريا وينتهي الأمر... وبجو أكثر ودًّا وانشراحًا وافق عبد الناصر».(الدستور)