كلما كانت الخزينة في ضائقة أو حاجة لزيادة الإيرادات يكون الخيار زيادة الضرائب والرسوم على السلع وكان ذلك دائما يحقق نتائج مقلوبة، فالضريبة تنخفض والتهريب والتهرب ينشطان.
هذه المرة تحاول الحكومة التمسك بإلتزاماتها بعدم سن أو زيادة ضرائب بل إنها تفكر في منح إعفاءات، وبدلا من ذلك ها هي تذهب الى تشديد القبضة على المتهربين ضريبيا، وهو إجراء كان يفترض به أن يتم كل الوقت وأن لا يرتبط بضائقة هنا أو عسرة هناك وأن لا يكون بديلا لإجراءات أخرى بل هو إجراء قائم بذاته مع اختلافنا مع توقيته وأساليبه وتقدير حجمه.
على الجهة الأخرى لم تمنح الحكومة لقضايا التهريب مثل هذه الأهمية، مع أنها تعرف أن الضرائب الفائتة على الخزينة تذهب الى جيوب المهربين للسلع وهي تضر بالحكومة كما تضر بالمنتجين المحليين والمستوردين الملتزمين.
تقر الحكومة أن تهريب الدخان هو أحد أسباب تراجع الإيرادات الحكومية ولكنه ليس السبب الرئيس، فتغير سلوك المستهلك سواء بوجود بدائل للدخان وهي السيجارة الإلكترونية من جهة، إلى جانب الوضع المادي الصعب للعديد من المواطنين من جهة أخرى من أسباب تراجع مبيعات الدخان التي تجلب للخزينة نحو مليار دينار ومثلها من المحروقات.
حصة الحكومة من ثمن السجائر المحلية تبلغ 85%، بينما تغطي الـ 15% المتبقية كلفة المادة الخام وتكاليف التصنيع والأرباح وضريبة الدخل.
هذه النسبة العالية تذهب إلى المهربين ومصانع المناطق الحرة بنسبة أكبر وهي بحدود خسارة الخزينة من التهريب والتي تتجاوز 300 مليون دينار سنوياً.
حتى مع كل إجراءات الحكومة في ضبط التهريب من المناطق الحرة وقوننة عمل بعض المصانع فيها ووقف عمل أخرى ارتفع حجم التهريب في الربع الأول من العام الحالي للدخان 30%.
الخسائر الناجمة عن عمليات التهريب حجم استهلاك السوق (الانتاج المحلي والمستورد) نحو 11 مليار سيجارة، بمعدل عام ضريبي على بكيت الدخان دينار ونصف.. وهنا تتجاوز الخسائر الضريبية 52 مليون دينار ما سبق عملية حسابية رصدتها الشركات المرخصة لإنتاج السجائر لكن فاتها أن إنقطاع الدخان عن السوق ليومين أو ثلاثة تمهيدا لرفع أسعاره يحول الاستهلاك الى المهرب ولمدد طويلة.
التهرب الضريبي، موجود في جميع بلدان العالم وهو بلا شك سرقة للمال العام، والعقوبات لمنعه كافية وتغليظها لا يخدم غرضاً إلا في حدود الوصول إلى المتهربين سواء كانت الخزينة في ضائقة أم لم تكن فالمطلوب «الحصول على العنب وليس قتل الناطور».
الرأي