الإصلاح السياسي الذي يؤمن به الملك
جهاد المحيسن
10-02-2010 02:45 AM
أزاح الملك (في الجلسة الحوارية للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس التي عقدت أواخر الشهر الماضي وبثتها مؤخراً قناة السي إن إن) اللبس عن كثير من القضايا الشائكة والمعقدة التي تعصف بالمنطقة والعالم على حد سواء وكذلك القضايا المتعلقة بالشأن الداخلي الأردني.
فقد رسم جلالته الإستراتجية الأردنية حيال تلك القضايا المصيرية، وعلى وجه التحديد ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية.
فتأكيد الملك أن الأوضاع في المنطقة ستزداد سوءًا إذا لم يتم إحراز تقدم حقيقي نحو حل الدولتين، يقطع الطريق على دعاة حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن والدعوات المتزايدة من قبل اليمين الإسرائيلي وأنصاره لدور أمني أردني في فلسطين المحتلة.
الرفض من رأس الدولة لأي طرح بقيام الأردن بدور أمني أو سياسي في فلسطين المحتلة، يدفع قدما نحو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني، وبحسب الملك فهي الطريق الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار.
ولعل المفاصل التي تناولها الملك والمتعلقة بالإصلاح السياسي وتقوية الطبقة الوسطى تستدعي الوقوف عندها مطولا، فهي جوهر الحديث عند النخب السياسية والمواطنين، فعندما يتحدث الملك عن ضرورة الإصلاح السياسي وعدم تأخيره بحجة حل القضية الفلسطينية، يقطع الطريق على من يحاول أن يوقف حركة التاريخ والمجتمع.
الإصلاح السياسي ضرورة لا بد منها، فلا يمكن الاستمرار بالطريقة القديمة (ثنائية الدولة والمصالح السياسية والاقتصادية لبعض الشخصيات المتنفذة) التي تحارب فكرة الإصلاح، لما تحمله هذه الفكرة من تهديد لمصالحهم الخاصة على حساب مصلحة المواطن وحقوقه السياسية، لذلك وجب فصل هذه الثنائية وجعل القرار الوطني هو الذي يحكم شكل العلاقة بين الدولة ومجتمعها.
التخوفات التي يجري الحديث عنها وتضخيمها من قبل البعض والمتعلقة بوجود بعض من الأردنيين وقوى وتيارات (محلية وإقليمية) تطالب بإصلاحات لأهداف متعلقة بالتسوية (من اجل تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن هويته وبنيته وتكوينه) هي تخوفات غير مبررة.
وبحس رجل الدولة وبصيرته التاريخية الثاقبة فكّك الملك المفردات التي يتم تداولها، والتي في جوهرها تستخدم أداة في بعض الأحيان للدفاع عن مصالح فئات محددة، لا تقيم وزنا للإصلاح السياسي، وتسعى جاهدة لتفكيك الطبقة الوسطى، وتعتقد أن فكرة الإصلاح والحفاظ على ديمومة واستمرارية تلك الطبقة في ذاتها تهدد وجودهم السياسي والاقتصادي.
الإصلاح المطلوب الذي يؤمن به الملك ويتحدث عنه مرارا يجب أن يقوم على أساس الالتزام بالثوابت الدستورية والوطنية والحفاظ على قوت المواطن وكرامته ولا يتعارض هذا الإصلاح السياسي مع الحفاظ على الهوية الوطنية للدولة الأردنية.
ليس من المقبول أن نغيب التغيير والإصلاح بحجة انتظار حل القضية الفلسطينية، كما قال الملك، ففكرة انتظار حل القضية وتعطيل الإصلاح السياسي في ذاتها مرفوضة جملة وتفصيلا من قبل الجميع، وحتى يتسنى نفيها عمليا لا بد من توفير المناخات الديمقراطية التي حتما ستحول دون الاستمرار قدما في دحض المشاريع الإسرائيلية التي ترمي إلى تحقيق الحل على حساب الهوية الوطنية الأردنية.
فالإصلاح السياسي والحفاظ على الطبقة الوسطى لا يعني فك وتركيب الدولة الأردنية من جديد، كما أن وجود برلمان قوي يعكس الهوية السياسية للدولة، التي يجب أن نحافظ عليها في إطار إصلاحي يضمن للجميع المشاركة في قرارها السيادي.
الغد