تحوز شعلة مهرجان جرش على مساحة من الذاكرة والشغف، فمنذ انطلاق المهرجان مطلع ثمانينيات القرن الماضي وهي تعتلي التاريخ من حولها، وشاهدة على قدرات الفنان الذي وإن حظيَ بالوقوف على مسرح جرش، يكون قد حاز رسمياً على بطاقة الدخول في عالم الفن.
وزارة الثقافة التي عملت مؤخراً على جعل الثقافة أداة مواجهة في الأزمة، هي اليوم راغبةٌ بأن تبقى أهازيج الصيف وأنغامه صادحةً فوق خشبات المسارح، لكنها ونحنُ بين نارين؛ هذا الوباء الذي يُعطّل الحركة الثقافيّة والفنيّة بسبب انتقاله السريع بين الأشخاص، وبين الشُعلة التي لا نريدها أن تنطفئ، فالأردن الذي واجه وباء كورونا بقوة واقتدار وعزيمة رغم الصعوبات الاقتصادية والتضييق وازدحام المناورات السياسيّة في المنطقة، استطاع أن يعمل بكثافة في مسارين : أن يُقدّم نفسه أُنموذجاً في إدارة الأزمات، كما وبقيَ مُناوراً ومُحشّداً ضد أيِّ خطة أوحاديّة من قبل دولة الاحتلال.
والدولة التي تواجه الظروف المحليّة والاقليميّة بتحدٍ يفوق حجمها وإمكانياتها، هي قادرة أن تنظّم مهرجاناً ثقافياً يبدأ من شعلة جرش وينتهي بحفل ختام بالعقبة، وقادرة على تنفيذ ما يخشاه الآخرون، وعلى نشر الفرح الذي أحوج ما نحن إليه اليوم.
نعم الوباء موجود ولم يغادر بعد، وقبل أن نسأل عن الكيفيّة والآلية التي ننفّذ فيها مهرجاناً، علينا الإيمان بقدراتنا وأن نكون على قدرٍ مِن العزم في قبول التحدي، نعم الأمر ليس سهلاً، ونحتاج إلى إجراءات وقائية دقيقة ترافق المهرجان الذي وإن تم، حتماً سيكون مختلفاً شكلاً ومضموناً عن النسخ السابقة، لكننا في ظرفٍ إستثنائي لا نستكين له ولا نندفع، بل نحافظ على صحتنا في الوقت الذي نحافظ فيه على ديمومة الفن والطرب بالدمج بين حضور متباعد للجمهور والبث المباشر عبر التلفزيون الأردني والإذاعات وصفحات فيسبوك ممولة خاصة بالمهرجان وغيرها، مع ضرورة اختيار المطربين الذين يَحشدون المتابعين داخلياً وخارجياً.
نكتب هُنا لنطلق العنان لعصفٍ ذهني وصولاً إلى الرأي السديد، لا ضير أن تُقام عدة حفلات على المسرح الجنوبي في جرش وفقاً للتباعد، على أن يكون الحضور من أبناء مدينة جرش بدعوات شخصية دون فتح المهرجان لجميع الناس ودون فعاليات أو تجمعات أو بازارات خارج المسرح الجنوبي، الأمر ذاته يتم تنفيذه في مسرح قصر الثقافة أو المركز الثقافي أو جبل القلعة أو العقبة، شريطة توجيه دعوة مباشرة لأشخاص بعينهم وفقاً لمقاييس تلامس الذين قدموا كثيراً للوطن أو يقدمون الخير للناس ممن هم خلف الكواليس، أو استبعاد الحضور والاكتفاء بالبث عبر مختلف الوسائل، المهم أن تبقى مسارحنا نابضة بالفن.