سايكولوجيا المجتمع الأميركي والعنصرية
د.حسام العتوم
13-06-2020 01:51 AM
لم ازر أميركا لكنني التقيت بناسها من طبقة المتعلمين والمثقفين هنا في الأردن ، وأعجبني انفتاحهم وصراحتهم وحبهم للحياة وللحضارات . وسجلت انطباعاً جيدا عنهم، وبأن ثمة فرقاً بين المجتمع الأميركي المكون من أعراق مختلفة، و ساستهم خاصة الصاعدين منهم إلى السلطة في البيت الابيض، والكونغرس ، والبنتاغون ، والايباك . ورئيسهم رجل الأعمال دونالد ترمب مدهش حقاً، وتستحق شخصيته التوقف عندها وسبر أغوارها، وهي التي تدير السياسات في العالم من زاوية الاقتصاد، وعشق سيطرة القطب الواحد الذي تقوده بلاده على اركان العالم مع فتح نافذة من وسط الحرب الباردة بقيادة أميركا وأوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 على الدول المنافسة مثل روسيا والصين . ومماحكة متموجة مع دول وازنة مثل الصين بعد جائحة كورونا المختلف على مصدرها المُصنّع خاصة، ومع تركيا التي تقترب وتبتعد عن روسيا، ومع كوريا الشمالية ذات الطموح النووي . وعلاقات جيوبولوتيكية استراتيجية مع إسرائيل باعتبارها مركزاً للموازنة بين سيطرة القطب الواحد، وبين سياسة تعدد الاقطاب الروسية الأصل والمصدر .
والمجتمع الأميركي غير المعروف بقوة لدي يتوزع سايكولوجيا بين البيض والسود، والأغلبية للبيض بطبيعة الحال والأقلية للسود في المقابل . و البيض منتشرون وسط 46 ولاية أميركية ويشكلون حوالي 72.4% . بينما تبلغ نسبة السود من أصول أفريقية حوالي 12.4% . ومن أصول اسيوية ما نسبته 5.6% يتجمعون في كاليفورنيا ، وفي هاواي بنسبة 57%. وفي واشنطن العاصمة لا توجد فيها أغلبية من البيض كما أقرأ . والديانات السماوية تتقدمها المسيحية من البروتستانت بنسبة 51.3% ، والكاثوليك بنسبة 23.9% . واليهود ما نسبته 1.7% . وديانات مختلفة بنسبة 2.7% . ودون ديانة 16،1% . و ملحدين 1،6% .ولا ادرية 2.4% . والثقافة الأميركية مزيج من الثقافات المتنوعة وتجمع بين الأصل والمهجر . فمن أين قدم منبع العنصرية إلى داخل المجتمع الأميركي ؟ وهل تنفرد أميركا بالعنصرية الاجتماعية أم أن هناك مجتمعات أخرى غارقة بالعنصرية مثل أميركا ؟ وما هو الحل لوضع حد للعنصرية وسلوكها السلبي غير المقبول والمنفر في زمن الحاجة للوئام بدلا من الخصام ؟ ولنشر المحبة والتعاون والتفرغ للعطاء بدلا من غرس الفتن والكراهية والتفرقة غير المشروعة ؟ دعونا نبحر معا إلى داخل المجتمع الأميركي الذي يمثل ركنا مهماً وسط مجتمعات العالم لعلنا نسهم في انقاذ الممكن من البشرية قبل أن تفقد صوابها .
إن حادثة اغتيال جورج فلويدGeorge Floyd الأميركي من أصول افريقية المأساوية عبر خنقه عمدا و مع سبق الاصرار وامام اعوانه من الشرطة الأميركية و امام المارة و بدم بارد في مدينة مينابوليس بتاريخ 25 حزيران 2020 ، عكست الحقد العنصري الدفين بين كل ما هو أبيض وأسود في بلاد مثل الولايات المتحدة الأميركية نزعم أنها تتقدم أوروبا والعالم من زاوية الحضارة، والمفاهيم ، والرقي، والتمسك داخليا بالقانون المدني . واقتصادها مليارا دولار لكنه بطبيعة الحال ليس بمستوى ذكاء وقوة الاقتصاد الصيني مثلا . فما الذي يجري في أميركا ، ولماذا هذا الاختناق الداخلي هناك بينما هي أميركا تدعي بأنها تقود العالم من وسط قطبها الواحد، ولا تعترف بعالم متعدد الاقطاب بالضرورة إلا من وسط مصالحها القومية المحددة والمرتكزة على الاقتصاد، وخدمة إسرائيل ثانيا بعدها ؟ وهل بدأت أميركا فعلا تفقد بريقها وقوتها سياسيا واقتصاديا، وهي التي تمارس سياسة الكاوبوي بالتعاون مع إسرائيلها التي ترغب لها بأن تبقى مدللة وتعمل فوق القانون الدولي، وبطريقة لا تستطيع فيها حتى روسيا التصادم معها جراء اختراق سوريا عبر استمرار احتلال الجولان واسرلته، وعبر ملاحقة خلايا ايران، وحزب الله وطاقم مستشاريهم في العمق السوري . والتحرش بأيران في المقابل " كل ما دق الكوز بالجرة" رغم عدم براءة ايران بكل تأكيد، وهي التي تعمل كما إسرائيل خارج حدودها عبر هلال صفوي ايدولوجي خبيث مخترق ومحتل للجسم العربي، ومفكك له ، وأقصد هنا جزر الإمارات تحديداً ؟
ثمة إشاعات تتردد بأن المغتال جورج رغب بالشراء من متجر عربي بدولارات مزورة لكن هذا الأمر وإن كان صحيحاً لا يوجب القتل . وان اوان أميركا ان ترفع سقف قانون العقوبات لديها على جرائم العنصرية تماما كما فعلت روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عندما رفعته لديها بوجه حليقي الرؤوس SKean Head المتطرفين
والعنصريين، والمتصادمين مع الأجانب خاصة من يمتلكون الشعر والبشرة السوداء مثل العرب والأفارقة . وبعدها لاحظت اختفاءهم من شوارع روسيا مثلا ومن عتمات الليل والازقة هناك . وضابط الشرطة الأميركي ديريك تشوفين الأصل فيه أنه يمثل القانون الأميركي ودولة أميركا، وليس الشارع الأميركي الأبيض فقط .وكما اسلفت هنا فأن الشعب الأميركي ليس واحداً، واللون الأبيض ليس كله عنصرياً ولا يجوز التعميم اكيد . وما زال القانون الأميركي ناعماً بخصوص التعامل مع قضايا العنصرية، ومثل هكذا حادثة قبيحة اعتبرت في أميركا من الدرجة الثانية وليست من قضايا العمد والاصرار على القتل . والعنصرية بالمناسبة انحطاط اميركي اجتماعي متكرر . ومن مثله نعاني هنا في منطقتنا العربية من العنصرية اليهودية ضد العرب . وهنا أيضاً لا أعمم على كل اليهود . و يوجد فرق بين اليهودية المتطرفة كسلوك وبين اليهودية كدين سماوي او كعرق بطبيعة الحال .
وجريمة القتل ومنها العمد في الاديان السماوية الثلاثة من المحرمات .ولقد كتب عنها الباحث ثائر غازي عبود من الجامعة العراقية الإسلامية ، حيث قال بأن : " جريمة القتل في التوارة والعهد القديم وحسب مبدأ القصاص في مبدأ اللاويين " اذا امات احد انساناً فأنه يقتل، ومن امات بهيمة فأنه يعوض نفسا بنفس. وإذا احدث انسان في قريبه عيب فأنه يفعل كما فعل كسر بكسر ، وعين بعين ، وسن بسن ، ومن قتل انسانا يقتل ".
وفي العهد القديم لا تقتل ( الخروج- 13،20). والحاخام نعوم زوهار من جامعة بار ايلان في تل أبيب كتب يقول أيضاً بأن ( الأدبيات اليهودية شددت على أنه لا يحق لأحد استعجال مغادرة الروح للجسد . وفي القرآن الكريم ورد في سورة المائدة الآية 32 ( أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) ، وفي سورة الاسراء 17 قوله تعالى ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ) صدق الله الغظيم .
وما حدث في مينابوليس أحدث صدى مدوياً وشرخاً ليس وسط المجتمع الأميركي فقط وانما وسط أوروبا، وأحدث ارتداداً اجتماعيا عالميا، وأصبح يشبه ربيعنا العربي إلى حد ما، ومن الطبيعي أن يتم استغلال الحادثة لمأرب سياسية، واقتصادية ، ذات علاقة بالحرب الباردة المتجددة ، ومثالي هنا المناكفات الأميركية الصينية وبالعكس بعد انتشار جائحة كورونا ، ورود معلومات، وربما إشاعات تفيد على أنها مصنعة سرا والله أعلم .
ويبقى خطاب زعيم السود لويس فركان في شيكاغو في أميركا بخصوص حادثة جورج فلويد الاليمة مؤثرا ويحمل معنى مهما وخطيرا ، وهو الذي قال " ... بأن أميركا لن تكون عظيمة مرة اخرى، وبأن الله معهم ولن تسطيع أميركا الاضرار بهم، وعلى أميركا أن تدفع الثمن وانتهت عظمة أميركا وعدالة الله موجودة ".
وجنازة فلويد المهيبة الاربعاء 18 حزيران 2020 في هيوستن وسط غضب شعبي أميركي وعالمي من صعود نيران العنصرية مجددا في أميركا منذ عصر العبيد والعبودية والاستعمار في القرنين الثامن والتاسع عشر، واسقاط تمثال تاجر الرقيق ادوارد كولستون في مدينة بريستول البريطانية قبل ذلك شكل جرس انذار للادارة الأميركية الحالية لكي تصحو من غفوتها وهي على ابواب انتخابات رئاسية اميركية قريبا هذا العام 2020 . وليس امام أميركا الآن إلا أن تعتدل داخليا وخارجيا على مستوى سياساتها واقتصاداتها وعسكرتها، وعلى مستوى علاقاتها مع شعوب ودول العالم بعد أن تخلص ذاتها من التبعات الصهيونية الرمادية التي تلاحقها في تحركاتها فوق الكرة الارضية ووسط قضايا العالم الساخنة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية العادلة عبر مشروع قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية التي تعمل على اجهاضه في مهده .
(الرأي)