وصل بِذِراعه مقولة ذات دلالة
يوسف عبدالله محمود
12-06-2020 07:45 PM
كنت أسمع هذه الجملة يردّدها الأهل كلما تناهى إلى مسامعهم أن فرداً فقيراً تفوّق في العلم والمعرفة أو جمع ثروة. كانوا يقولون:"فلان وصل بذراعه" والمقصود أن نشأته المتواضعة لم تقف حائلاً دون تحقيق طموحاته.
وهنا أقول: إن الفقر ليس عيباً. عظماء القوم ممّن وصلوا يتحدثون باعتزاز عن ماضيهم وضيق ذات اليد التي عانى منها آباؤهم. لا يخجلون وهم يشيرون إلى نشأتهم الفقيرة.
ذات مرّة زرت عيادة الدكتور إبراهيم آدم اختصاص أمراض الأعصاب والدماغ، كانت الزيارة للمرّة الأولى.
ما لفت انتباهي صورة معلّقة على واجهة العيادة لطفل لم يتجاوز العاشرة من العمر يرتدي ملابس متواضعة بينما ثمة رجل يقدم له جائزة عرفت فيما بعد أنه مُوجّه تربوي يقدمها لهذا الطالب الغلبان لتفوقه المدرسي.
سألت هذا الطبيب الذي صار لي صديقاً فيما بعد: لمن هذه الصورة؟
باعتزاز قال: إنها صورتي وقد علّقتها ليدرك كل من يشاهدها أن الفقر ليس عيباً، فأنا ابن رجلٍ كادح فقير، والفقر ليس عيباً. علّقتها لتكون حافزاً لكل زائر على الاجتهاد: ومثل هذا الطبيب هناك آخرون وصلوا "بذراعهم" كالخبير الاقتصادي المعروف الدكتور طلال أبو غزالة الذي بعد هجرة أسرته القسريّة من فلسطين المحتلة إلى بيروت. عمل في صباه بائعاً متجوّلاً للآيس كريم. تحدّى فقره بعد الهجرة ووصل إلى ما صل إليه محققاً إمبراطورية طلال أبو غزالة (مجموعة شركات طلال أبو غزالة).
أما عدنان أبو عودة والمرحوم محمد حمدان – مع حفظ الألقاب- فالأول والده كان عاملاً في مصنع صابون بنابلس، بينما كان والد الثاني سائق تكسي، ومع ذلك وصل الاثنان إلى أرفع الرّتب والمناصب. أصَرّا على التفوّق فكان لهما ذلك.
مرّة أخرى أقول إن خجل البعض من ماضيهم هو "مركب نقص" آن أن يتخلصوا منه. عليهم أن يستوعبوا دلالة هذه الكلمات: "بذراعي وصلت".
لا تقل أصلي وفصلي أبداً..إنما أصل الفتى ما قد حصل