إشكالية يُعاني منها فكرنا العربي
يوسف عبدالله محمود
11-06-2020 05:53 PM
الإشكالية التي أشير إليها هي «الأصالة والمعاصرة» في فكرنا العربي منذ عصر النهضة وإلى اليوم.
ما زالت هذه الإشكالية حاضرة في فكرنا، وهي بحق سبب من أسباب تعثّر النهضة العربية الحديثة.
أقلام كثيرة تناولت هذه الإشكالية بعضها دافع عنها والبعض الآخر دعا إلى تجاوزها معتمداً على ضرورة قراءة التراث العربي في إطار نقدي كما دعا الراحلان الكبيران صادق العظم ومحمد عابد الجابري.
تساءل الجابري تساؤله المشروع: لماذا تخلّفنا وتقدّم غيرنا؟ لماذا لم نتمكن من تجاوز إشكالية «الأصالة والمعاصرة»؟ في كتابه: «إشكالية الفكر العربي المعاصر» يردّ الجابري ثبات هذه الإشكالية إلى التهديد الغربي الاستعماري الذي أدى إلى تعثّر مشروع النهضة العربية.
فروّاد النهضة العربية في غالبيتهم راحوا يحتمون بالتراث في وجه الهجمة الاستعمارية على الوطن العربي. ومع إيمانهم بتقدم الحضارة الغربية ومحاولة مقاربتها على استحياء إلاّ أنهم لم يحسنوا التفاعل، مع لوامعها التقدمية على النحو المطلوب.
إزاء هذا العداء الاستعماري راح روّاد النهضة العربية يلوذون بالتراث وإن حاول بعضهم نقد جوانب معينة فيه.
أما صادق العظم فقد وصف التمسّك بِـ «الأصالة» بأنها قراءة «ميتافيزيقية» للتراث «فبدلاً من أن تعني الأصالة الانتماء الراهن إلى المصالح الملحّة والجذرية للجماهير العربية وقضاياها الوطنية والاجتماعية والثقافية والعلمية في الزمن الحاضر، تتحول «الأصالة» في تلك الأدبيات إلى مقولة ميتافيزيقية لا تُحلّق فوق الزمن الحاضر وتحدّياته ومهمّاته والكبرى فحسب، بل تنفلت من جميع شروط الزمان والمكان والتحوّل التاريخي والاجتماعي». د. صادق العظم، كتابه «ذهنية التحريم» ص113.
ما ذكره الراحلان د. الجابري والعظم يدل على أن فكرنا العربي منذ عصر النهضة وحتى اليوم ما زال مهدّداً من «السلفيّة» التي تُصرّ على إسقاط صورة المستقبل على الماضي دون أن تُراعي تجليّات المستقبل وقضاياه.
صادق العظم والجابري كانا يدعوان إلى ضرورة مراعاة الواقع والتحديات التي تواجهه بغيرة تغييره.
نقد الراحلان جمود السلفيين في قراءة التراث لأن الماضي غير الحاضر والمستقبل. من هنا لا بُدّ من تغيير نظرتنا لمفهوم «الأصالة».
لا يجوز أن تشدّنا إلى الماضي على حساب الحاضر.
«الأصالة» لا تعني أن نعيش في الزمن الماضي.
(الدستور)