من وحي حديثي مع الإذاعة الاردنية في هذه الذكرى الغالية علينا جميعا

في غمرة احتفالات الاردن بعيد الاستقلال وذكرى الثورة العربية الكبرى وعيد الجيش العربي الأردني فإننا في هذا اليوم الموافق التاسع من حزيران نحتفل بذكرى جلوس جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسن الحادي والعشرين على العرش.

وكان جلالة الملك عبد الله الثاني قد ولد في عمان عام ١٩٦٢ كأول أنجال الراحل العظيم الحسين بن طلال ، وكان بذلك وليًا للعهد بحكم الدستور . الا انه ونتيجة للأوضاع المحلية والدولية في ذلك الوقت فقد ارتأى جلالة الراحل العظيم ان تنتقل ولاية العهد لشقيقه الأصغر سمو الأمير الحسن بن طلال امد الله في عمره

بدء سمو الأمير عبدالله بن الحسين تعليمه في عمان بالكلية العلمية الإسلامية ، ثم انتقل لمتابعة دراسته في مدرسة سانت إدموند في إنجلترا ، ثم التحق في المرحلة الثانوية في مدرسة انجل بروك وأكاديمية ايرفيلد في الولايات المتحدة الاميركية . ثم التحق بأكاديمية سانت هيرست وبعدها درس لمدة سنة واحدة في جامعة اكسفورد .

بدأ حياته العسكرية عام ١٩٨٠ كضابط في القوات المسلحة الاردنية وتلقى خلال خدمته العسكرية العديد من الدورات مثل القفز المظلي والطيران وقاد العديد من الوحدات العسكرية في سلاح الدروع وخاصة اللواء ٤٠ ثم اصبح قائدا للقوات الخاصة الملكية الاردنية وقد شارك مع عناصرها في القيام بالعديد من العمليات الأمنية ضد الخلايا الإجرامية والإرهابية .

في العام ١٩٩٨ / ١٩٩٩ تعرض جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال لوعكة صحية شديدة تطلبت منه الذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتلقي العلاج . وفي بداية عام ١٩٩٩ عاد للأردن بعد ان اعتقدنا انه قد تماثل للشفاء . بعد عودته أعاد تعين سمو الأمير عبدالله كولياً للعهد ، ثم سافر لمتابعة علاجه بعد ان انتكست حالته الصحية ، وبعد اقل من أسبوعين عاد للبلاد وهو في وضع حرج وأدخل المدينة الطبية لمتابعة الإشراف عليه .

وفي هذه الأيام عاش الأردنيون ظروفاً صعبة ومؤلمة وهم يرجون الله تعالى ان يمن على مليكهم بالشفاء التام ، ولكن إرادة الله كانت هي السابقة وانتقل جلالته للرفيق الأعلى ظهر يوم السابع من شباط عام ١٩٩٩ .

وكان وقع هذا الخبر كالصاعقة على الشعب الأردني . واذكر انني يومها كنت اجلس في مكتبي عندما أعلنت وفاة جلالة الملك الراحل ، وقد دخل علي احد الزملاء وعندما شاهدني أجهش بالبكاء حاول ان يخفف عني بقوله اطلب له الرحمة فقلت له ليرحمنا الله من بعده .

وفي نفس اليوم توجهنا كبار ظباط دائرة المخابرات العامة إلى مجلس النواب وفي جلسة سادتها المشاعر الجياشة حيث قام سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن الحسين بحلف اليمين الدستورية كملك على الملكة الاردنية الهاشمية خلفاً لوالده العظيم ليكون الملك الرابع من الأسرة الملكية الهاشمية . وفي اليوم التالي كنت من بين الآلاف ممن شاركوا في تشيع جثمان الملك الراحل بحضور العالم اجمع والذي وان كان قد انتقل للرفيق الأعلى فانه سوف يظل حياً في قلب ووجدان كل اردني .

وفي الأيام التالية لذلك أجرت احدى وكالات الانباء الأجنبية لقاء صحفي مع جلالته ادركت بعد ان استمعت اليه ان الله قد رحمنا ورحم الاردن بأن جعل الملك عبدالله الثاني خلفاً لوالده الحسين العظيم قبل اسبوعين من وفاته ليكمل مسيرته وأدركت مدى صحة قراره هذا ووجاهته وأدركت انه على قدر المسؤولية التي أنيطت به .

وفي مثل هذا اليوم التاسع من حزيران عام ١٩٩٩ أقيم احتفال رسمي وشعبي بهذه المناسبة حيث سار موكب جلالته بسيارة مكشوفة وترافقه جلالة الملكة رانيا العبدالله بشوارع عمان وسط فرحة وترحيب جماهير غفيرة من الشعب الأردني الذين ضاقت بهم الشوارع والطرقات وهم يهتفون بحياته إلى ان وصل الموكب الملكي إلى حدائق القصور الملكية العامرة حيث أقيم حفل استقبال بسيط بحضور العديد من المسؤولين السياسيين والأمنيين والمواطنين وكان لي شرف ان أكون احدهم

وكان جلالة الملك قد تزوج من زوجته رانيا الياسين (والتي أصبحت فيما بعد جلالة الملكة رانيه العبدالله المعظمة ) في العام ١٩٩٣ وقد انجبا أربعة من الابناء وهم سمو الأمير الحسين بن عبدالله ولي العهد الميمون وسمو الأميرة ايمان وسمو الأميرة سلمى وسمو الأمير هاشم اطال الله بأعمارهم وحفظهم لوالديهم وللشعب الأردني .

ولقد كان لعهد جلالته محطات هامة لا بد من الإشارة اليها :

أولاً — فقد سار جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني على خطا والده المغفور له بأذن الله تعالى جلالة الملك الحسين الباني ، وقاد الاردن بكل حنكة ومهارة وبأسلوب حفظ أمنه واستقراره ، حيث بنى جلالته علاقات وثيقة مع مختلف دول العالم وبما يحفظ مصالح الاردن السياسية والاقتصادية والأمنية دون الدخول في سياسة المحاور اوالتورط في النزاعات ما بين الدول .

ومن المعروف عن جلالته انه هو الأقرب لأبناء شعبه . حيث يشاركهم أفراحهم وأتراحهم ويعمل على تلبية مطالبهم . وكثيرا ما توقف على الطريق لتقديم المساعدة لمصاب أو لفتح الطريق اثناء تساقط الثلوج أو لإخراج سيارات المواطنين منها او إطفاء النيران المشتعلة أو امر بإحضار المصابين والمرضى الأردنيين من خارج للبلاد ، وعمل على توفير العلاج والرعاية الصحية عندما يتطلب الأمر للمحتاجين من المواطنين داخل البلاد وخارجها وعلى نفقة الديوان الملكي العامر أو تأمين السكن للأسر العفيفية . كما انه كثيرا ما تردد على ابناء شعبه في المناطق النائية ليطلع على أحوالهم ويأمر بتقديم المساعدات لهم وتنمية مناطقهم . بالإضافة للزيارات التي كان يقوم بها متنكراً لمختلف اجهزة الدولة .

ثانيا — قام جلالته بدور كبير في دعم الاقتصاد الأردني من خلال علاقاته واتصالاته بمختلف دول العالم ومشاركته بالكثير من النشاطات والمؤتمرات الاقتصادية وقيامه بالترويج للاستثمار بالأردن . وقد حقق جلالته نجاحاً كبيراً في هذا المجال بالرغم من الأزمات الاقتصادية التي مرت بها المنطقة ودول العالم مثل الأزمة التي رافقت حرب الخليج الثالثة عام ٢٠٠٣ وانقطاع النفط العراقي عن الاردن وتدفق مئات الألوف من اللاجئين العراقيين على الاردن . بالإضافة للازمة الاقتصادية العالمية التي حدثت عام ٢٠٠٨ المعروفة بأزمة الكساد العالمي والتي انطلقت من الولايات المتحدة الأمريكية وعمت العالم وأثرت على كل الدول التي تساند الأردن وتقدم له المساعدات والقروض له مما اثر على مستواها ومقدرتها على القيام بذلك .

الا ان جهود جلالته حفظه الله لم تتوقف لإخراج الاردن من هذه الأزمات واستطاع ان يجذب الكثير من الاستثمارات الأجنبية وان يفتح اسواقاً جديدة أمام المنتجات الاردنية وان يبقي علاقاته الاقتصادية قوية مع معظم دول العالم .
كما ان جلالته قدم دعمه للنشاط الاقتصادي التجاري والصناعي والسياحي الداخلي في الاردن وفتح أمامه الكثير من المجالات والأسواق .

ثالثاً —- كما عمل جلالته على تطوير وتحديث القوات المسلحة الاردنية عبر اعادة هيكلتها اكثر من مرة وعلى تجهيزها وتسليحها بأحدث الأسلحة والمعدات وبما يتلائم مع الأحداث الجارية في المنطقة . وقام جلالته بأفتتاح مركز الملك عبدالله الثاني للتصميم والتطوير (كادبي) كمؤسسة عسكرية / مدنية مستقلة تعمل تحت مظلة القوات المسلحة الاردنية ليكون مركزا رائدا في البحث والتصميم والتطوير والتصنيع العسكري ، حيث أصبحت منتجاتها تصدر إلى اكثر من ٣٥ دولة في العالم . كما انها في الآونة الأخيرة عملت على تطوير اجهزة تنفس وتعقيم على هامش انتشار وباء كورونا .

وقد اصبح الجيش العربي الأردني في عهده يشار اليه في البنان من حيث القوة والمتانة وٍالتدريب والجاهزية مما أهله للمشاركة في الكثير من المهام الخارجية ضمن قوات حفظ السلام الدولية .

كما ان جلالته دائما ما يشرف وبشكل مباشر على جميع اجهزتنا الأمنية ويعمل على تطويرها من الناحية المادية والعسكرية والفنية لتكون في خدمة الشعب وليس لقمعه وإرهابه . وهذا ما لمسه المواطن الأردني خاصة من خلال احداث الربيع العربي المزعوم أو المسيرات والاعتصامات التي قام بها مواطنين اردنيين لتحقيق مطالب معينة لهم ، حيث كانت هذه الأجهزة تعمل على حمايتهم وتقدم الماء والمرطبات لهم، في حين ان مثل تلك الأجهزة في دول أخرى كانت تقمع مواطنيها بقوة وعنف كما حصل في دول الربيع العربي الأخرى مما ادى إلى تدمير هذه الدول ، أو كما حصل من قبل بعض هذه الأجهزة في بعض الدول الكبرى والتي تدعي انها انظمة تمثل قمة الديمقراطية والعدالة في العالم في حين انها على عكس ذلك في تعاملها مع احتجاجات مواطنيها . ففي حين ان الأجهزة الامنية أصبحت مصدر خوف وذعر لدى الكثير من الشعوب في العالم فأنها في الاْردن أصبحت محل ترحاب وإشادة بها ولا ادل على ذلك من الاستقبال الذي استقبلت به قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية عندما انتشرت في لشوارع للمساعدة في مواجهة وباء كورونا وما قدمته هذه للأجهزة من خدمات للمواطنين

وهنا لابد من الإشارة إلى دور المواطن الأردني التشاركي مع الأجهزة الأمنية في الحفاظ على امن الاردن من خلال التعاون معها ومن خلال الالتزام بتنفيذ القوانين والأنظمة والتعليمات الصادرة عن الجهات المعنية لنعطي صورة مزدهرة عن الاردن . وبالأهم هو عدم تداول الإشاعات والأخبار الكاذبة والفيديوهات المفبركه وعدم التعامل معها ونشرها لما لها من تأثيرات سلبية على الآخرين . وان يعتبر كل مواطن نفسه رديفاً لأجهزتنا الأمنية للمحافظة على امن الوطن واستقراره

رابعاً — كما ساهم جلالته في دعم القضية الفلسطينية والأشقاء في الوطن المحتل ، حيث دعم المفاوض الفلسطيني في مباحثات السلام مع سلطات الإحتلال وقدم كل الدعم للأهل هناك من حيث توفير إمكانية الحركة والتنقل لهم وتقديم المساعدات التموينية والأساسية من خلال الهيئة الخيرية الهاشمية . والمساعدات الطبية من خلال مستشفيات الميدان التي تمت إقامتها في رام الله وغزة لمعالجة الأهل هناك وتقديم العلاج لهم .

كما ان جلالته اصر على مواقفه الواضحة من القضية الفلسطينية المتمثلة في إقامتها على حدود عام ١٩٦٧ وان تكون القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة . وكما أعلن معارضته لصفقة القرن ولضم اراضي من الضفة الغربية لدولة الاحتلال ومعارضته لعمليات التهجير وحل الدولة الواحدة واصراره على حل الدولتين و التمسك بالوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس وان تتضمن اي تسوية حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية واللاجئين وفق القرار الأممي رقم ١٩٤ .

كما اعلن جلالته ثوابت الاردن ولاءاته الثلاثة وهي لا للتوطين ولا للوطن البديل ولا للتنازل عن شبر واحد من القدس ومن السيادة الهاشمية عليها . وان أي تصرف فردي من قبل سلطات الاحتلال سيؤدي إلى صدام كبير مع المملكة الاردنية الهاشمية .
كما ان جلالة الملك وفي وقت سابق قد قام بتفعيل خيارات الاردن باستعادة اراضي الباقورة والغمر وإعادتهما إلى السيادة الاردنية الكاملة .

كما ان جلالته اعرب وباسم الشعب الأردني عن وقوفه إلى جوار القضايا العادلة والإنسانية للدول ولشعوب المختلفة . ومن هذا المنطلق فقد تم فتح الحدود الاردنية امام أفواج الشعوب العربية الهاربة من احداث الربيع المؤسفة في بلادها ، رغم الكلف الاقتصادية الهائلة على الاردن وشح الإمكانيات المالية والمائية وضئالة المساعدات الدولية التي قدمت للأردن لمساعدته في تحمل كلفة هذا اللجوء .

خامساً —- كما ان جلالة الملك المعظم قاد الجهود الحكومية والشعبية في مواجهة جائحة كورونا بإقتدار من خلال متابعاته وإرشاداته الدائمة والمستمرة وتواجده الدائم في الميدان مما كان له الفضل الكبير في التخفيف من خسائرها وأضرارها وإيصالنا الى مرحلة قرب التعافي منها .

وهذا غيض من فيض مما قام به جلالة الملك المعظم مما يتسع له المقام والمقال .

وبهذه المناسبة الغالية لا يسعني الا التقدم بخالص التهنئة لجلالته وللشعب الأردني ، سائلا الله عز وجل ان يطيل في عمر جلالته وان ويوفقه في خدمة بلدة الاردن ، وان يحفظ ولي عهده المحبوب ويوفقه وان يحفظ الاردن وشعب الاردن وقيادة الاردن . كل عام وأنتم جميعاً بخير