حكومة الرزاز غير صالحة بعد كورونا
بسام بدارين
09-06-2020 11:14 AM
«كل مر سيمر»… تلك عبارة عاطفية جداً قرر رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز أن يرددها ويكررها بين الحين والآخر أثناء مخاطبة الرأي العام بهدف رفع المعنويات وتمرير المرحلة الصعبة.
بالنسبة إلى كثيرين، مثل تلك العبارة اللطيفة والرقيقة لا يمكنها أن تكون بديلاً عن خطة اقتصادية، حيث يصر الخبراء دوماً على أن حكومة الرزاز تحتاج إلى خطة احتواء اقتصادية لها علاقة بمرحلة ما بعد مواجهة فيروس كورونا. المثير أكثر أن تلك العبارة كانت مثاراً لاستطلاع لا يخلو من الطرافة قامت به مؤسسة مراقبة مدنية، مع أن رئيس الوزراء محسوب على التيار المدني.
مؤسسة «راصد»، وضمن ما قالت إنه برنامجها لتقييم الأداء، وضعت رسالة على منصات التواصل صدرت عن الرزاز وطالبت الجمهور بالتفاعل والتعليق. نتيجة «راصد» – وهي بالمناسبة منظمة مدنية مقبولة جداً من السلطات وتعتبر قريبة إلى حد ما من مؤسسات الدولة وفاعلة في الواقع المدني الأردني- كانت تسجل مناسبة، حيث إن 68 % من المشاركين في التفاعل من العينة الوطنية العامة قدروا وقرروا بأن حكومة الرزاز غير صالحة لمرحلة ما بعد فيروس كورونا. وتلك مفارقة رقمية تعني الكثير سياسياً واجتماعياً، رغم أنها لا تنسجم مع معاير التحليل العلمي. لكنها تشكل مفارقة في ظل سطوة وسائط ومنصات التواصل الاجتماعي على الواقع العام، حيث يؤكد القطب البرلماني خليل عطية لـ»القدس العربي» مجدداً بأن الحكومة تقودها عملياً ردود فعل على المنصات أكثر من الخطط والبرامج.
بالنسبة إلى عطية، لا مجال لمزيد من السلبية، والمطلوب الانتقال الفوري إلى منهجية برامجية تواجه السيناريوهات السيئة في الواقع الاقتصادي والاجتماعي، التي بدأت تطل في عمق المجتمع ويعاني منها المواطنون.
فوق ذلك، شكل الرقم 68 % مفارقة بيروقراطية أيضاً؛ فقبل أسابيع قليلة كانت الحكومة تحتفي بأرقام الاستطلاع السنوي لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، والتي منحت بالنتيجة طاقم الرزاز أغلبية من الثقة. لكن الثقة بالرزاز وطاقمه شعبياً الآن وبعد التصفيق الحار للحكومة في بداية مواجهة الفيروس كورونا، وصل إلى أضيق حدود ممكنة. وذلك لسببين: الأول له علاقة بالإغراق والتشدد في سياسات الحظر والإغلاق، التي نتج عنها خسائر بعشرات الملايين في السوق العام وللقطاع التجاري وحتى للمواطنين، وتحديداً في الطبقة الوسطى.
والسبب الثاني له علاقة بعدم عرض الحكومة لخطة استجابة مفترضة تحتوي تداعيات أزمة كورنا على الاقتصاد المحلي، وسط الاستمرار في معطيات الاشتباك مع التعقيد الإقليمي والسياسي، الناتج بصورة خاصة عن القضية الفلسطينية. وهنا تبدو الفرصة متاحة للكل بأن الخطة التي يطالب بها الجميع إما غير موجودة أو أنه يصعب إيجادها؛ لعدم وجود من يضع ملامحها من الطاقم الوزاري الحالي.
ذلك رغم أن مؤسسات كثيرة تعتبر بيوت خبرة، قدمت خططاً مكتوبة للحكومة ويمكن الاستفادة منها، ومن بينها المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وجمعية رجال الأعمال، وغرفة تجارة عمان، وبعض الشخصيات البرلمانية. ويبدو أن توقعات قطب سياسي وبرلماني من وزن الدكتور ممدوح العبادي هي التي تصادق اليوم على الواقع الموضوعي، فالحكومة في الأزمة قررت عدم الاستعانة بالخبرات والكفاءات لا في مجلسي الأعيان والنواب ولا حتى في القطاع الخاص، ولا ضمن الشخصيات الوطنية الخبيرة، الأمر الذي انتهي بظهور مؤشرات تخبط وأحياناً ارتجال جراء غياب الخبرة، حسب توصيف عضو النواب الأسبق والخبير البيروقراطي البارز سامح المجالي.
ولا يوجد سبب منطقي وسياسي يفسر عدم وجود خطة بعد، إلا إذا كان الطاقم الوزاري عالقاً بدوره بين خيارات التعديل أو التغيير الوزاري، الأمر الذي ينتج عنه بالعادة تشويش بتأثير بالغ يؤدي موسمياً إلى زحف في مسيرة الوزراء وبطء في إجراءات الاستجابة.
لكن بعض الاجتهادات في الوسط السياسي تميل إلى القول بأن حكومة الرزاز غير مطلوب منها في هذه المرحلة إنجاز خطة الاحتواء الاقتصادي بهدف انتظار ما ستسفر عنه نتائج التحالفات السياسية الإقليمية ومستجدات ملف المساعدات، الأمر الذي ينعكس بالضرورة بالعادة على مجمل معطيات المشهد الحكومي.
وفي الخلاصة، لا تصلح عبارة «كل مر سيمر» بديلاً عن مصفوفة استجابة اقتصادية. لا بل لا تصلح على الإطلاق إلا لمخاطبة غرائز الشارع بهدف رفع المعنويات بين الحين والآخر قبل انخفاضها مجدداً جراء مشكلات الواقع وتداعيات أزمة كورونا الاقتصادية التي ستظهر الصيف المقبل على الأرجح، حيث زيادة كبيرة في نسبة البطالة، وتراجع أكبر متوقع في شرائح الطبقة الوسطى، واستعصاء استثماري، وحوار صاخب لا يسمعه الطرفان فقط بين القطاعين العام والخاص.