النكسة في ذاكرة الملك حسين 2-3
د.مهند مبيضين
09-06-2020 12:13 AM
في كتاب «الملك حسين: حربنا مع إسرائيل» الذي أعدّه فانس وبيار لوير (بيروت: دار النهار، 1968) وتتطابق إجابات الراحل الملك حسين في هذا الكتاب مع ما أورده لاحقًا في كتابه مهنتي كملك، ص(199-213). يواصل الراحل الحسين رحمه الله، سرد ظروف النكسة والطريق إليها، ونتائجها، ولا يخفي رفضه وامتعاضه من الموقف العربي آنذاك، ولا من خيبة الدفاع الجوي المنتظر من أجل بلدة السموع، وكان يجب على الجمهورية العربية المتحدة تأمين هذا الدفاع بموجب الخطة التي وضعتها القيادة العربية الموحدة التي أسندت إلى القوات الجوية المصرية تأمين الغطاء الجوي للمنطقة الواقعة جنوبي القدس. وفي هذه الظروف التي سادت قبيل النكسة وخلالها، يدرك المُطالع حجم الفشل العربي الذريع واختلاف النوايا، وتضحية الأردن بنصف ما يملك من جغرافيا وبشر وجيش كي يكون في الصفّ العربي ولا يقع في مواجهة اللوم.
يروي الحسين كيفية وصف الثوريين العرب لنظامه ونظام المملكة العربية السعودية بأنهما نظامان رجعيان، مقارنةً بأنظمتهم التي وصفوها بالتقدمية، ومحاولات التقدميين الكثيرة لإسقاط عرشه؛ إذ يقول: «كان علي منذ اعتلائي العرش عام 1952 وللمرة الثانية عشرة أن أواجه محاولات تحرك من الخارج ضد العرش الأردني ونظام الحكم في البلاد»، وكانت إذاعة «صوت العرب» تحرض الثوار في مدن فلسطين ضد الحكم الأردني، وفي يوم الجمعة 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 1966 «دعت إذاعة صوت العرب الأعضاء في الحكومة من الفلسطينيين إلى تقديم استقالاتهم ظهر اليوم التالي، ووجه أحمد الشقيري نداء إلى البلدان العربية إلى إقامة صلاة الغائب على أرواح الشهداء في صوف الجيش الأردني والشعب، وحصلت مظاهرات في القدس يوم 25 تشرين الثاني/ نوفمبر وأعلنت الأحكام العرفية بالقدس».
يبدو الحسين، في حديثه عن مقدمات النكسة، حزينًا بسبب خيبة ظنه بالعرب والنظام العربي؛ فهو ملك يواجه التحديات من الداخل، وعرشه في خطر، وهو في مرمى النيران، وكان درس السموع كافيًا ليكشف له عن قوة إسرائيل، وضعف الوحدة العربية، وغياب التنسيق العربي. يضاف إلى ذلك استمرار العرب في اتهامه بالرجعية وخيانة القضية. لكنه في لحظة ما استعاد زمام القوة في الأردن، وأعاد الأمن إلى نصابه: «لا بد هنا من الاعتراف بأن إعادة الأمن إلى نصابه قد استغرقت عشرة أيام»، ولكن أهم ما أسفرت عنه أحداث تشرين الثاني/ نوفمبر 1966: «كان إفلاس الوحدة العربية ( حربنا مع إسرائيل، ص26).
كان التدهور سمة المرحلة التي أعقبت الاعتداء على السموع، فقد أقامت إسرائيل استعراضًا عسكريًا في القدس في ذكرى قيامها، وأعلنت مصر حالة الطوارئ، وأصدر جمال عبد الناصر أوامره بإرسال القوات إلى سيناء، لتخفيف الضغط الإسرائيلي على السوريين، وطلب إلى القوات الدولية المرابطة منذ عام 1957 الانسحاب من خط الهدنة الدولية.
وبدت موافقة الأمين العام للأمم المتحدة على سحب القوات الدولية، في 18 أيار/ مايو 1967، تعبيرًا عن خطر داهم، وبالنسبة إلى الملك حسين، فقد استدعى منه الموقف جمع أركان حكمه في اجتماع دام أربع ساعات، قُرِّر فيه رفع حالة الـتأهب، وكان اللافت للنظر في سرد الحسين لمجريات تلك اللحظة أنه في الوقت الذي احتلت فيه قوات منظمة التحرير مواقع مراقبة تابعة للقوات الدولية في غزة - إضافةً إلى تقدم الجيش المصري إلى شرم الشيخ - أرسل السوريون سيارة مفخخة انفجرت في مدينة الرمثا الأردنية، وكان من المفترض أن تنفجر في عمّان، و»أسفر الحادث عن مصرع 14 أردنيًا»( حربنا مع إسرائيل، ص 28).
الدستور