اعدام المركز الثقافي الملكي .. لمصلحة من!
محمد الجغبير
08-06-2020 03:07 PM
حينما تُحاك القرارات الحاسمة والمصيرية ذات عتمة من وراء حجاب، فاعلم انك أمام مؤامرة بكل ما يكتنف هذه المفردة من معانٍ ومضامين ودلالات ..
وحينما تتعاظم (الأنا الأعلى) وتتحول إلى أداة مدمرة، تحتكم إلى اختلالات بصرية وذهنية ونفسية، وإرث دفين من الفشلات والاخفاقات، فإننا دون شك أمام تحولٍ وانهيار للقيم الناظمة للوجود الانساني برمته.
على السطح الثقافي الإبداعي الأردني، ثمة من يؤثر العمل في العتمة، يحشد ويخطط وينسق بل وبستميت للخروج بمعول هدم أسود ، ليقتلع سنبلة من ذهب، وهو ذاته واقع الحال الذي ألقى بظلاله على المركز الثقافي الملكي، اهم واكبر صروح الأردن الثقافية، وأهم حواضن الإبداع عربيا، لجهة عراقته وتاريخه وسيرته الثقافية والرمزية، حيث شكل قرار دمج المركز بوزارة الثقافة، ضربة قاسمة لأحد أهم أركان الواجهة الحضارية الثقافية ، قياسا بوصف الثقافة ركن حضارة يتوازى مع أهم وأخطر إركانات الدولة.
في البدء، كشفت اشكالية توقيع كتاب الدمج، ان وراء الأكمة الكثير، بيد ما أحيط به كتاب قرار الدمج مؤخرا من ضجة بسبب توشيحه بتوقيع وزير الدولة لتطوير الأداء المؤسسي ياسرة غوشة، لا توقيع رئيس الوزراء، بوصفه قرار صادر عن مجلس رئاسة الوزراء، فما الذي دار في كواليس خلفية صنع القرار ليوشح القرار بتوقيع الوزير غوشة تحت حجة انها وزير مخوَّل…!
قرار إلغاء التنظيم الإداري للمركز الثقافي الملكي ودمجه ضمن هيكلة وزارة الثقافة، قرارا ليس عادياً بأي وجه من الوجوه، وليس قرارا بريئا بأي حال من الأحوال، إزاء تأكيدات مهتمين ومعنيين، حول تداعيات قرار الدمج على تقزيم عمل المركز وتحجيم نشاطه، وصولا إلى قتل رمزيته الثقافية، كمركزٍ ملكي اقترن باهتمام ملكي زاد من أهميته وترسيخ مشروعية استقلاليته، كدائرة مستقلة كما اقر في العام 2002 بنظام مستقل مالياً وإدارياً.
ما الذي يهدف اليه محركو خيوط " اللعبة" ؟ ومن هو المقصود والمستهدف بالقرار، وهل الهدف هدم معلم حضاري ثقافي بحجم المركز الثقافي الملكي، ام الاطاحة بمديره ومسؤوليه، وتدجين قيمته الرمزية لغايةٍ في نفس يعقوب "مُحيك" القرار ؟
ما جدوى سحب امتياز استقلالية المركز ماليا وإداريا، واختزال ماهيته الاعتبارية إلى حجم "قِسم" في دائرة، ولماذا هذا السعي المبطن لتقويض صلاحياته في صلب مهامه، وتقييد عمله؟
من المستفيد بوقف ديناميكية العمل الإبداعي المحلي والعربي التي طالما تبناها المركز ومنذ نشأته، بل من يريد إعدام الدور الأردني الثقافي على الخارطة العربية والعالمية.
قرار الدمج، ما هو إلا تثبيطاً لماكنة المنجز الوطني الثقافي، ووئدا للمشاريع الفكرية الريادية، وترسيخا للبيروقراطية وانصارها المتمترسون خلف المكاتب سعيا وراء التنفيع والمكاسب.
نهج التعنت والثأرية غير المبررة في اتخاذ قرارات بحجم قرار الدمج الذي جَانبَ رؤية وقرار ديوان التشريع والرأي بأن المركز دائرة مستقلة إدارياً ومالياً عن وزارة الثقافة؛ ملف يجب ولزاماً إعادة فتحه، فالعارفين ببواطن الأمور مركز ووزارة، يدركون ان القرار شابته تشوهات قانونية وإدارية، حين دخل عنصر "الشخصنة" بصلب إقراره.
ننزع وننحاز للفعل الثقافي وماكنته صغر شأنها أم عَظُم، نراهن على الرهان والحصان معا، فلا فعل ثقافي دون مسؤولين أحرار، خلافا لإولئك الذين يتموضعون حول ذاتهم يمتشقون سيوفا خشبية، للدفاع عن مناصبهم ومنافعهم، يتشدقون بلغو الكلام، حين يجدون انه اًسقط بيدهم، ولا حيلة لديهم بالابتكار والتفرد وإثبات الذات.
دفاعي عن المركز الثقافي الملكي، لا تقوده أهداف شخصية، أو تكسبّات نفعية، فحين يُصبح الهامش هدفا، يتوجب أن ننتفض، وأن ننتصر للمعايير القيمية التي ضمتها جًنبات المركز، أقلها بالنسبة لي أنني عرفت عن كثب القيمة المعنوية للمركز في نفوس الهاشميين، أجل فقد كان أول لقاء ومصافحة لي مع سيد البلاد الملك عبدالله الثاني، حينما كان أميراً ذات مهرجان مسرح عربي في تسعينيات القرن الماضي، في اهتمام وحضور جسد معنى أمانة والده جلالة الملك الحسين الباني طيب الله ثراه الذي أمر بتأسيس هذا المعلم الحضاري عام 1983، ليكون منارة ثقافية استمرارا للحركة الثقافية منذ بداية الدولة على يد الملك المؤسس في”مجالس عبدالله الأول.. في ذلك المركز تقبع الذكريات وتتراكض كسوسنة في حقول برية، ذكريات مع جدران وخشبات مسارحه التي احتضنت وقتذاك، اكبر تظاهرة مسرحية لفرقة اضاءت المسرح العربي والدولي ( الفوانيس) بقيادة المبدع الراحل نادر عمران.
في هذا المركز ، عهدتُ رجالات آمنوا بالفعل الثقافي كمشروع وطني، وليس تكسبّي، فيه تعرفت بمؤسس المسرح العربي الراحل هاني صوبر، وعلى خشبات مسارحه تدربنا على زريف الطول والتغريبة ومواوويل الميجنا، إرث ثقافي وسيرة مكان وزمان، اسمها المركز الثقافي الملكي .. فمن يجروء على اعدام حلم الحسين ، ولمصلحة من ؟