في الأردن .. المسلم والمسيحي خيط مموَه لا يلمس لكنه يؤثر
نضال العضايلة
08-06-2020 01:38 PM
علينا ألا نختزل التاريخ وأن نعود إلى وقت مضى كان فيه هذا البلد حاضنة لآلهة الخير، والماء، والعيش المشترك، وملاذًا لمعابد الشفاء، وأرض تنعم فيها كل العقائد بالأمن والسلام. تلك الشواهد في الكرك ومادبا والفحيص والحصن، ومعابدها من مساجد وكنائس، وتاريخها، وسكن الرهبان فى الاديرة وتاريخ الميلاد ورسالة الإسلام كلها كتبت فى إرثنا الحضاري الذى امتد من حضارة ما بين وبين إلى حضارة الإسلام العظيمة، وكنا نحن فى هذا البلد موقع لقاء هذه الحضارات.
ذلك المزج المميز بين الرصانة الدينية التى تتطلبها عمليات التوثيق، والسهولة الممتنعة التى تجذب التآخي. هذا المزج المبدع، حول الاردنيين على مدى عقود خلت، إلى حاضنة مؤرخة فى آن، فظهر المسيحي في جوار المسلم، وكأنه مأسور لوحدة غريبة عجز العالم بأسره على إظهار مثيل لها.
الصنوان، ( المسلم والمسيحي )، هما ذلك الخيط المموَه الذى لا يلمسه من حولهم، لكنه يحس بتأثيراته، حين ينجح في إظهار العنصر المشترك الذى يجمع بين الديانتين، ويشكل فى محصلته سببًا قويًا كافيًا يحث على تلك «الوحدة المنغرسة عميقًا فى التنوع بينهما»، ما لم تشوهها يد الإنسان، وأنانيته.
اليوم باتت قضية التنوع، والقبول بالآخر، قضية مصيرية يحتاج أن يتشبع بها المواطن العربي، والأردني بشكل خاص، لأنه هو من شكل ترسيخها في وعيه، وسلوكه، فكانت تلك سبباً رئيسياً في الخضوع لميزان الواقع الذي نعيش.
فى ظل التفاهات التى حدثت مؤخراً، أصبح من المهم التركيز على فضيلة احترام الأديان، منعا للدخول فى تجاذبات من هنا أو تناحرات من هناك، وتأكيد على احترام الآخر، لأن التقليل من شأن دين بعينه يؤدى الى مشكلات كبيرة، كما أن الاشادة بدين وتحقير ثان تفضى الى تعقيدات دقيقة فى العلاقات الانسانية.
ويرتفع رصيد الدين الذي لا يسب أي نبي، فيحترم الإسلام الدين المسيحي، ويعتبر الإيمان بالأنبياء كلهم، بما فيهم المسيح عليه السلام جزءا لا يتجزأ من الإسلام، وشتان بين عقيدتين: عقيدة تعترف إحداها بالأخرى، وأخرى تجحد العقيدة التي تعترف بها، وهنا يتضح الفرق فيمن يحترم الأديان ومن يزدريها، ومن يؤمن بالحرية ومن يحاربها، والإسلام يعترف منذ فجر تاريخه بوجود الأديان الأخرى، وفي مقدمتها الدين المسيحي، ونبي الله عيسى.
الإسلام مصدر لتوحيد الشعوب، فهو يقبل التعددية العقدية، ويجعل طريق الدعوة إليه الحوار البناء مع مطلق الحرية، ويعلي من شأن القيم الإيجابية في العقائد الأخرى، لأنه تضمنها، وبعيدًا عن الإيمان بأية عقيدة، فإن الإسلام يرى أن البشر جميعا مستخلفون في الأرض، والقرآن الكريم يدعوا المسلمين إلى الاشتراك مع غيرهم في تعمير تلك الأرض التي يعيشون عليها، وتعميرها يمثل رسالة الإسلام في جانب المعاش والحياة، ولا يجعل الاختلاف العقدي مانعًا من التواصل الإنساني الحميم.
يعد الاردن النموذج الأميز في العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة والعالم وسط ما نشهده من صراعات دموية وطائفية ودينية حولنا، فالأردن الذي نعيش بين ظهرانيه يمثل حالة صحية ميراثها عربي إسلامي ومسيحي، بلد يمارس العيش المشترك بين مواطنيه على اختلاف دياناتهم وطوائفهم ومذاهبهم وأعراقهم دونما ضجيج يستند في ذلك الى حقيقتنا الكبرى بأننا عرب لنا ماض واحد بإرث وانجازات صنعها رواد عرب بغض النظر عن معتقداتهم فكان نتاجهم حضارة عربية إسلامية من الجميع إلى الجميع نستند في ذلك إلى ارث عربي متقدم وسابق لغيره في مجالات حقوق الإنسان والمواطنة والمساواة والحرية والتعددية.
المسيحي في بلدي أخي، وهو جزء من حضارتي، وتاريخي، فطوبى لكل مسيحي يعيش معي، يشاركني همي ويذود عني واذود عنه.