عميش يوسف عميش: إنسانية واسعة المدى
يوسف عبدالله محمود
08-06-2020 10:30 AM
إذا أحبّ الله يوماً عبده ألقى عليه محبّة الناس
هاشمي الهوى الانتماء كان قبل رحيله الموجع ترك لنا كتابه النفيس "نشأة العلوم الطبية في الحضارة العربية". في هذا الكتاب أثبت – رحمه الله - أن علماء العرب والمسلمين القدامى وإن كانوا أخذوا الكثير من علومهم عن اليونان وغيرهم، فإنهم لم يأخذوه على عِلاّته، بل نقدوه نقداً علمياً وموضوعياً على نحو ما فعل العالم العربي ابن النفيس في القرن الثاني عشر الميلادي والذي أثبت خطأ نظرية جالينوس عندما اكتشف الدورة الدموية الصغرى (الرئوية).
بيّن ابن النفيس الخطأ الكبير الذي وقع فيه العالم جالينوس، وهنا يؤكد هذا العالم العربي أن الدم لا يمكن أن يمر من خلال الغشاء الذي يفصل البُطين الأيمن عن البُطين الأيسر لأن ذلك الغشاء لا يحتوي على أية مسامات تسمح بمرور الدم وأن الدم لا بُد أن يمر إلى الأُذين الأيمن أولاً (المرجع السابق ص26).
فَنَّد – رحمه الله – ما أسماه بـِ الطب العربي الأسطوري الخرافي القديم "كالكهانة" و"العرافة" و"التنجيم" و"قراءة الكف".
أكّد د. عميش في دراسته الرصينة هذه أن "الطب" في عصر الحضارة العربية القديمة تميز بأنه كان جزءاً هاماً من العلوم الإنسانية والتي لا تحتوي على فروع علم الطبيعة وعلوم ما وراء الطبيعة (العلوم الغيبية) والحساب والفلسفة وعلم النجوم فقط، لكنه كان يشمل أيضاً علم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان).
وقد وصف سمو الأمير الحسن بن طلال هذا الإنجاز العلمي الباهر بأنه "يحتوي على معلومات دقيقة مُبوّبة وفيه تسلسل زمني واضح، وهو مكتوب بعناية شديدة وبلغة سهلة ومُزوّد بتراجم للأسماء والمصطلحات، مما يُسهّل على القارئ متابعة الأمر دون عناء".
وفي ختام كتابه يُشيد د. عميش بأخلاقيات أطباء العرب والمسلمين القدامى، مُنحياً باللائمة على "الصبغة التجارية" البعيدة عن أخلاقيات الطب التي سادت هذه الأيام داعياً إلى ممارسة الطب بأخلاقيات إنسانية. المرجع السابق ص17
د. عميش صَدَّر كتابه هذا بقوله تعالى "إنما يخشى الله مِن عباده العُلماء".
وهو بحق وَثَّقَ منجزات تراثنا العربي والإسلامي في مجال العلوم الطبية على نحو فريد يُشاد به.
مناقبة الإنسانية تتحدث عنه. خَصَّ "الغَلابى" من مواطنيه بعناية فائقة.
يبقى أن أقول:
الموتُ نفّادٌ على كفِّه جواهر يختار فيها الجِيادا
رحم الله د. عميش.
كان رجلاً ولا كل الرجال.