كيف أثّر انتشار كورونا على معدلات الجريمة عالمياً؟
د. دانييلا القرعان
07-06-2020 10:59 AM
بعد أشهر أو ربما أيام من إجتياح فيروس كورونا العالم والذي ساهم بشكل كبير بشل مظاهر الحياة الإجتماعية والإقتصادية، وحصد الكثير من الأرواح البشرية، لكن في المقابل أظهر الفيروس جانباً مشرقاً على سطح المعمورة.
في مقالتي السابقة والتي تحدثت فيها أن كوكب الأرض هو المستفيد الأول من جائحة كورونا، إذ أدى الحجر الصحي والاغلاق العام الذي شهدته العديد من الدول في التخفيف إلى حد كبير من معدلات التلوث في المدن الكبرى، فهذا الجانب المشرق من فيروس كورونا والذي جعل الأرض تتنفس وتستعيد عافيتها ورونقها، فـ بالإضافة إلى هذا الجانب المشرق، هنالك أيضا جانب آخر مشرق وهو الانخفاض نسبياً من معدلات الجريمة عالمياً، فكيف أثر انتشار فيروس كورونا على معدلات الجريمة عالمياً؟.
أصدرت وكالة "أسوشييد برس" تقريراً لها ذكرت فيه أن فيروس كورونا التاجي المستجد خفّض من معدلات الجريمة والأعمال غير المشروعة حول العالم، وقالت أن عمليات الإعتقال المرتبطة بتجارة المخدرات في مدينة شيكاغو وهي إحدى أكثر المدن عنفاً في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم، حيث انخفضت نسبة 42% خلال الأسابيع التي تلت فرض الحجر الصحي في المدينة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وعزا محللون وخبراء إحصاء وطنيون في كل دول العالم أن السبب في الانخفاض الكبير في معدلات الجريمة، عائد إلى السياسات الآمنة الصارمة المتبعة، والقيود المفروضة على الحركة والمدن في ظل كورونا.
وباء كورونا يؤدي إلى فرض الكثير من القيود على مرتكبي الجرائم، هل يؤدي الوباء إلى انخفاض نسبة الجريمة في العالم؟
أود أن أشير إلى نقطة في غاية الأهمية أن فيروس كورونا في بعض أنواع الجرائم كالجنح على سبيل المثال "السرقة"، أثر بشكل كبير على هذا النوع من الجرائم، وانخفضت الجرائم مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لكن في المقابل وبالجانب الآخر من تأثير كورونا على انخفاض وازدياد معدلات الجريمة في العالم، فإن بعض أنواع الجرائم في ظل هذا الوباء أصبحت صيداً غنياً لبعض المحتالين والمتخصصين بذلك، فازدادت بعض أنواع هذه الجرائم في ظل هذا الوباء المستجد.
"أوقات سيئة للصوص" ، منذ إعلان فترة الحجر الصحي والحجر المنزلي للكثير من دول العالم، وإعلان حالة الطوارئ القصوى في بعض البلدان، وأصبح الكثير من الشعوب والأفراد يقطنون ويلتزمون بيوتهم من خلال فرض حالة عدم التجول في الشوارع والطرقات والأماكن العامة، بالإضافة إلى تواجد الكثير من القوى الأمنية والعسكرية التي تجوب الشوارع ليلاً نهاراً في المدن والأحياء السكنية، فكل ذلك قيّد حركة اللصوص السارقين، وجعل معدلات جرائم السرقة مقارنة بالفترات الماضية من الأعوام السابقة أقل منها بكثير نتيجة القيود المفروضة في زمن وباء كورونا.
"ظروف العيش المتغيرة تتعارض مع بعض أشكال الجريمة أو على الأقل تقيّدها في طريقة ارتكابها"، وبالتالي فإن سرقة الجيوب وسرقة البيوت والمحلات تكون صعبة التحقيق في زمن التباعد الاجتماعي بين الاشخاص، إذ أن اللصوص الذين يقتحمون عادةً البيوت قلما يجدون فرصة لتنفيذ مبتغاهم، بحكم أن غالبية الناس تبقى ملتزمة في بيوتها، وكذلك هنالك نوع آخر من الجرائم أثرت عليه جائحة كورونا بشكل كبير وأدى إلى انخفاض في نسب ارتكاب هذا النوع من الجرائم"جرائم المخدرات"ومرتكبي هذه الجرائم، من المعروف أن تجارة المخدرات تحصل في الغالب في أماكن عامة، وهذا لا يتآتى حالياً في مساحات خالية يمكن مراقبتها بشكل أفضل، وهذا ايضاً ينطبق على أعمال العنف تحت تأثير الكحول، لأنه إذا بقيت الحانات والمراقص وحدائق الجعة مغلقة، فإنه لا تحصل ايُّ مشاجرات على الإطلاق.
"احتيال بمنتجات كورونا" في المقابل وفي الجانب الآخر من مقالتي سوف أتحدث عن نوع من الجرائم والتي تتزايد بشكل كبير في ظل جائحة كورونا. أبتكر الجناه أساليب جديدة لبلوغ اهدافهم في زمن كورونا، ومن هذه الأساليب الجديدة والخدع المبتكرة، قيام أشخاص محتالون بالإتصال بكبار السن ويقدمون أنفسهم كحفيد مصاب بكورونا، وبعد ذلك يطلبون الحصول على بعض المال لشراء أدوية، كما أن بعض اللصوص يقرعون أبواب البيوت ويقدمون أنفسهم كموظفين في وزارة الصحة وقد حضروا للقيام بتجارب كورونا، وحين يصبحون داخل البيوت فإنهم يقدمون على سرقة المال والحلي، وفي بعض الأوقات عندما يعجزون عن هدفهم، قد يرتكبون جرائم قتل بهدف السرقة، كذلك بالاحتيال يمكن تحقيق الربح المادي في زمن كورونا، من خلال قيام خبراء يتحدثون عن أعمال تسوّق زائفة أو منتجات وهمية مرتبطة بكورونا، فبعض المواقع الإلكترونية تعرض مواد التعقيم والأدوية والكمامات وتطالب بدفع المبالغ مسبقاً، لكن في الحقيقة والواقع المنتجات لا تصل ابداً لأصحابها، وهنالك بعض الجناة الذين يرسلون البضاعة، لكن عندما تصل هذه البضاعة للأسف عبارة عن مستنسخات أو بضاعة مقلّدة لا تفي بمعايير الجودة الضرورية.
"جنح أقل في العلن" وكأستنتاج أولي يمكن القول بأن الجريمة تتطور في اتجاهين، جنح لها علاقة بتقارب الناس أو غيابهم وهي تتراجع مثل سرقة الجيوب والسطو على البيوت والمحال، وهنالك أعمال الاحتيال عبر الإنترنت التي تزداد ولها علاقة بمنتجات زمن كورونا، وأزمة كورونا قد تفتح المجال أمام الجريمة المنظمة وغسل الأموال، فإذا افلست بعض الحانات، فإن المافيات قد تشتريها بثمن بخس؛ لتوظيفها مستقبلاً في غسل الأموال، وفي النهاية فإن ظروف العيش المتغيرة وانتشار الأمراض المزمنة الطارئة والمستجدة تتعارض مع بعض أشكال الجريمة أو على الأقل تقيّدها في طريقة ارتكابها..