ها نحن نقف على أعتاب المنحنى معتدل الخطورة في مصفوفة التعامل مع جائحة كورونا التي أعدّتها الحكومة الأردنيّة الرشيدة، ونستعدّ لخوض تجربة فتح القطاعات المرتبطة بهذا المنحنى، وهي عديدة بالنسبة لما كان قبل هذه المرحلة. وإنه لحريٌّ بنا في ضوء ذلك أن نراجع حساباتنا، ونعيد ترتيب أوراقنا، ونضبط إيقاع حياتنا بما يتناسب مع مستجداتها، متأمّلين مكتسباتنا من جائحة كورونا التي أصابت العالم أجمع في مقاتل عديدة: بشريّة، وصحيّة، وسياسية، واقتصاديّة، واجتماعيّة، لكنّنا في الأردن استطعنا بفضل من الله عظيم، ثم بجهود رجالات الوطن وأبنائه الجادّين المنتَمين المخلِصين، أن نقف وسط المعركة وِقفة عز وفخار، ذكّرتني بوقفة سيف الدولة الحمداني أمام جيوش الروم المعتدين، وقد أبدع المتنبي في رسمها صورة منقوشة في العقول:
وقفْتَ وما في الموت شكٌّ لواقف كأنكَ في جفن الرّدى وهو نائم
تمرّ بكَ الأبطالُ كلْمى هزيمةً ووجهُكَ وضّاحٌ وثَغرك باسم
وأما بعد، فقد آن بفضل الله أوان إغاثة لهفتنا وتشوّق أرواحنا لسماع صوت الحق، غير متبوع بعبارة: (صلّوا في بيوتكم) التي طالما أحرقت قلوبنا خلال أيام خلت، يُفترض أن نكون قد تعلّمنا خلالها أمورًا كثيرة، ما كنّا ونحن أصحاب العقول نحتاج فيروسًا يعلّمنا إياها، منها: أننا نستطيع الانتظام في الدور وانتظاره مهما طال، ونستطيع الاصطفاف دون تزاحم وتدافع، ونستطيع قيادة السيارات دون إطلاق أبواقها أمام أول مضايقة، ونستطيع كذلك أن نتصبّر على ما لا نحب، ونتحمّل ما لا نطيق، ومنها كذلك أن نتدبّر أمور الحياة بما هو ممكن وموجود، وأن نتفهّم قيمة ما تصنعه أيدينا، وأن ندرك معنى أن نتكافل ونتعاون معًا لتجاوز الصعاب، وأن نسيّر أعمالنا عن بعد ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وأن نؤسّس للتعليم عن بُعد لنرفد به التعليم النظاميّ المعتاد، وأن...، وأن ... .
نعم، هي دروس كثيييرة تعلّمناها، وسنُفيد دائمًا من التجارب العديدة التي ارتبطت بها، واللهَ تعالى أسأل أن يكون هذا الانفراج المبشر للأزمة مكافأة منه لنا على ذلك، وأن يكلّل بالنجاح صبر الصابرين، وجهود المجتهدين، وأن يعينَنا جميعا لنكمل المشوار بوعي ومسؤولية، يقودان إلى التعافي التام وعودة الحياة إلى طبيعتها الأولى، دون أن نتخلّى عن مكتسباتنا من جائحة كورونا.
ومن ثمّ، فالحمد لله حمدًا موصولاً يوافي نعمَه، ويدفع نِقمَه، ويكافئ مزيدَه، على سلامة الوطن، وعلى سلامة العافية، وعلى سلامة الأهل والأحبة... والعاقبة بالخير لقطاعاتنا كافة بعامة، ولجامعاتنا ولمدارسنا على وجه الخصوص، وللإنسانية جمعاء، عاجلًا غير آجل بإذنه تعالى.