الجامعة الأردنية .. وتستمر رسالة التنوير
د. محمد القضاة
07-06-2020 09:35 AM
تتصدر الجامعة الاردنية المشهد التنويري والمعرفي منذ أنشئت ليس في الاردن حسب؛ وإنما في العالم اجمع، ومنذ تأسيسها في عام ١٩٦٢ والى يومنا هذا وهي اكثر جامعة وطنية تحمل هم الوطن وهم التعليم في الاردن، وقد سبقت شقيقاتها الاردنيات بسنوات طوال وكانت اكثر من دعم الوطن بكفاءات وطنية مخلصة حملت عبء الوطن اقتصاديا وسياسيا ومعرفيا، فتخرج منها معظم رجالات الدولة الأردنية الذين ساندوا جلالة الملك الحسين الباني في وصوله بالاردن الى مصاف الدول العالمية المتقدمة، واليوم هم انفسهم من يرفدون بخبراتهم الطويلة جلالة الملك عبد الله الثاني المعزز في نهضته الاقتصادية، وحين بدأ الاردن بالتفكير في التوسع بالتعليم الجامعي، جاء تأسيس جامعة اليرموك وقد رعتها ايادي ابناء الاردنية حتى اشتد ساعدها واصبحت واحدة من الجامعات المتميزة على مستوى الوطن وعلى المستوى العالمي، وحين قررت الدولة تأسيس جامعة مؤتة وجامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية هب اساتذة الجامعة الاردنية لدعمهما فلم يبخلوا عليهما بخبراتهم الاكاديمية والإدارية والمعرفية، حتى استطاعت جامعة العلوم والتكنولوجيا ان تقف بثبات واليوم هاهي تنافس الجامعات العالمية في مختلف التصنيفات، ومثل مؤتة والتكنولوجيا جاء تأسيس جامعة البلقاء التطبيقية فالجامعة الهاشمية وجامعة ال البيت فالحسين بن طلال فالطفيلة التقنية، وفي كل هذه الجامعات ترى وبوضوح بصمات اساتذة الجامعةالاردنية وادارييها وترى الفخر في عيونهم كلما نهضت وبرزت جامعة من هذه الجامعات، بل وتزهوا وتفخر بها الاردنية فهي كالأم التي تفرح حين يتفوق ابناؤها عليها.
ومنذ تأسيس الجامعة الاردنية والى يومنا هذا اخذت الجامعة على نفسها عهدا ان تبقى دائما تتحسس حاجات الوطن وهمومه، وان تراعي في برامجها المختلفة وفي مراكزها المتعددة خدمة المجتمع الاردني، فهي الحاضنة لهموم الوطن وهموم ابنائه، فتعمد دائما الى تطوير خططها وخدماتها في المناحي كافة، ومواكبة التقدم العلمي والثورة الرقمية، وتعكس كل هذا التقدم على برامجها المختلفة، وتعنى باساتذتها فتفتح لهم بوابات البحث العلمي وتحفزهم على الانتاج وتشجعهم على حضور المؤتمرات العلمية، وتحفزهم على النشر في المجلات العلمية العالمية .
وفي الازمات تظهر متانة بنية الجامعات الاردنية، وخلال ازمة كورونا المستجدة اثبتت الجامعة الارنية وشقيقاتها الاخريات انها وبخبراتها وإمكاناتها المادية المتواضعة استطاعت التغلب على العقبات كافة التي واجهتها لتجاوز هذه الازمة دون الاضرار بمصالح الطلبة والأساتذة؛ فكان التعليم الالكتروني ورغم حداثة التجربة السابقة وبساطتها في تطبيقه، الا ان التعليم الالكتروني قد نجح في الاردنية كما في غيرها حيث استطاعت وبجهود جبارة ان تبقى دائما على التواصل مع الاطراف كافة من اساتذة وطلبة وفنيين واداريين للتغلب على أي مشكلات مستجدة ، وكلنا يعرف ان الظرف كان طارئا ومباغتا لكافة الجامعات؛ ولكن هذا لم يربكها بل امدها بقوة التحدي والإصرار للتغلب على العقبات كلها وتذليل الصعاب كافة، وما يسجل للاردنية في هذا الشأن دعمها لطلبتها كافة بحزم انترنت فاقت الخمسين ألف دينار لكي يتمكنوا من الاستمرار في محاضراتهم وامتحاناتهم، ومع ذلك ستبقى الجامعة الاردنية الوطن العلمي الأول وعقل الدولة وفكرها النبيل، والبيت الدافئ ونبض القلب، لا تتوقف عن دورها مهما تعاقب الزمن وتعددت المواقف والمصاعب، ولا ترضخ لعرض أو طلب، تستجيب للتحديات والمحن، وتبقى كما بدأت طودا شامخا عبر الزمن، تحافظ على أكاديميتها وأعرافها، وهي تعمل بصمت وكفاءة ومسؤولية ومهنية أكاديمية عالية لرفد الاردن بالكفاءات العلمية المتنوعة والمتخصصة، ولا تتوقف عجلة العلم فيها وتجدها تطلق المبادرة تلو الأخرى وعيونها على الوطن من جنوبه لشماله ومن وسطه لغربه، رسالتها البحث والتميز والاستقصاء والانجاز، وها هم أساتذتها وإدارتها يعيدون لها قيمها واعرافها الاكاديمية، بأسلوب جاد ومنهج علمي واضح، وها هي تتطور وتتغير الى الاحسن، ولا يمكن لأي أكاديمي ان يتناسى ذلك الحفل المهيب الذي كرمت فيه ما يزيد على مئة وعشرين باحثا متميزا من مختلف كليات الجامعة ومراكزها ممن أبدعوا في بحوثهم وأسهموا بشكل حقيقي وفاعل في تعزيز مسيرة البحث العلمي فيها ما دفعت بالجامعة لأن تتخذ لها مركزا استراتيجيا في خارطة التصنيفات العالمية، كما لا بد من أن اشير إلى العديد من الأهداف التي تعمل على انجازها بهدوء وروية من مثل الحرم الذكي والجامعة المنتجة الجاذبة المستقلة ماليا، واطلقت في هذا الشأن حملة التبرعات للجامعة قبل عام، وضرب مجلس العمداء ورئيس الجامعة ونوابه واسرة الجامعة أروع الأمثلة في البذل والعطاء والتبرع ايمانا منهم بضرورة ان يسهم الجميع في رفد الجامعة بما اكرمهم الله به من مال واستطاعة، ويأتي هذا الجهد منسجما مع توجهات الوطن وتحدياته، وتبدو الجامعة الأردنية من أوائل المؤسسات الوطنية التي تعرف واجباتها وما لها وما عليها، وتعمل بصمت وهمة عالية غير هيابة لأي استقواء تقوم به بعض الأقلام المغرضة التي تعيش في مستنقع الفكر المريض.
قافلة الجامعة الاردنية مستمرة في الإنجاز والابداع، وهي ماضية في انجاز تشريعاتها القانونية بهدوء، وأنجزت أرقاما متقدمة في التصنيفات العالمية، وحققت ضغطا في نفقاتها المالية، وتتخذ قراراتها بتأن وروية ودراسة عميقة بهدف الحفاظ على استمرارية حقيقية في برامجها ودورها، ولغتها واحدة لا لبس فيها في أحاديثها وحواراتها وعلاقاتها مع عالمها الاكاديمي داخل الاردن وخارجه، ولا تلتفت الجامعة للآراء السلبية التي تضع العصي في الدواليب؛ خاصة حين تشارك في مؤتمراتها وندواتها عبر الوسائل المتاحة كافة وديدنها ان تأتي بالمفيد الذي يرفع من سوية التميز والابداع في مختلف برامجها، وبحمد الله من يقرأ كم الأفكار المناهضة لمنظومة التقدم في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية يدرك أن الجامعة مستمرة في عملها، وعيونها على الاردن الجديد، ويكفي الجامعة الاردنية انها تتحمل اكبر اعباء القبول الجامعي سنويا، وتلبي طموحات المجتمع الاردني، وهي ماضية باذن الله في هذا الدور بمسؤولية اجتماعية تؤكد فيها انها جامعة الوطن كله وليست جامعة لمكان أو لفئة بعينها، ومعيارها العمل والانجاز والتميز والابداع وعيونها مفتوحة على التغيير الايجابي الذي يقفز بالجامعة إلى مصاف الجامعات العالمية المتقدمة، ولا تتوقف عجلة الحياة فيها عند مبادرة هنا او ندوة هناك او محاضرة علمية قيمة أو ابتكار علمي جديد او مشروع بحثي يخدم الجامعة، ابوابها مشرعة لكل جديد ومفيد.
وبعد، يسجل للجامعة الاردنية هذه الايام هدوء اداراتها ورغبتهم الحقيقية بالعمل؛ خاصة رئيسها الذي يحترم الصغير والكبير ويفتح قلبه وعقله لحوارهم بتواضع، ويسمعهم ولا يبخل على أحد بوقته، وهدفه لا يتزحزح بناء الجامعة على أسس عصرية وتغيير قواعد الانتاج والمعرفة بما يتلاءم ومتطلبات التنافسية الاكاديمية بين الجامعات العالمية، وها هي الأردنية كما عهدناها تعيد للزمان دورته وجماله ولأهلها مني اجمل معاني الشكر؛ لاساتذتها وطلبتها وإدارتها وموظفيها .
mohamadq2002@yahoo.com