تتوالى التقديرات العالمية والمحلية لتأثيرات جائحة الفيروس المستجد على اقتصادات دول العالم، والتي ضربت عرض الحائط معظم التوقعات والخطط المُعلنة للأعوام 2020 و2021، وكان صندوق النقد الدولي قد توقع بأن معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للعام 2020 سيبلغ 3.4%، وللأردن %2.4، ضمن تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الذي نُشر شهر تشرين الأول من العام 2019، وفي ملحق للتقرير بداية العام في كانون الثاني 2020 توقع صندوق النقد بأن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.3% في العام 2020 ونسبة 3.4% في العام 2021.
بعد تفشّي الوباء والذي فرض إغلاقات عالمية تنبأ الصندوق في تقريره لشهر نيسان انكماشًا في الاقتصاد العالمي بنسبة 3% في العام 2020، ليعاود النمو وبشكل متسارع بنسبة 5.8% في 2021، أما بالنسبة للأردن فإن آخر توقعات الصندوق أشارت إلى انكماش متوقع مقداره 3% في العام 2020، ونمو مقداره 3% في العام 2021.
وثائق وطنية مرجعية كوثيقة رؤية الأردن 2025 والتي تم إطلاقها في العام 2015، لتضع تصورًا للأولويات الاقتصادية والاجتماعية، وتكون خارطة طريق للعشر سنوات القادمة افترضت أن يتحقق معدل نمو حقيقي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.9% في العام 2021، واستهدفت أيضًا تناقصًا في مستويات المديونية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 57% في العام 2021 بحسب الوثيقة، بينما تُشير المؤشرات بأن معدلات المديونية ستتجاوز نسبة 100% من الناتج المحلي في العام 2020، أما البطالة فكان المستهدف للعام 2021 الوصول إلى معدل بطالة مقداره 10.8%، وحقيقة في الربع الأول من العام 2020 بلغت معدلات البطالة 19.3%.
قبيل الجائحة كان هناك انحرافات واضحة عن المستهدفات الواردة في رؤية الأردن للعام 2025، وستعمّق الظروف الراهنة مستهدفات الخطط طويلة الأمد وقصيرة الأمد أيضًا، إذ إنه من المتوقع أن يزيد العجز المالي في الموازنة المركزية في العام 2020 بمقدار مليار دينار على أقل تقدير، ولكن لا ننسى أن التحديات دائمًا تجلب الفرص والابتكار.
هناك دعوات من قبل عدد من المفكرين والاقتصاديين بضرورة عودة الدول التي تعتمد على إقتصاد الخدمات للاقتصاد الحقيقي والإنتاجي، ومع حدوث بعض الاضطرابات العالمية في سلاسل الإمداد والتزويد التجارية، وفرض بعض القيود على صادرات السلع الأساسية الاستراتيجية كالمواد الغذائية والصحية مثلًا، أدركت العديد من البلدان أهمية التفكير بمصادر توفر هذه السلع محليًا، أو من خلال تحالفات إقليمية، وهو ما دعى دول الخليج العربي مؤخرًا لتبنّي مقترح قدّمته الكويت، يقضي بإنشاء شبكة أمن غذائي متكاملة، تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي للبلدان الستة.
من الناحية الاقتصادية ومع تراجع الإنفاق الحكومي والاستثماري والاستهلاكي، والذي سيؤثر على نمو الناتج المحلي الإجمالي، فإن الميزان التجاري وتحسّن مؤشراته قد يشكّل طوق نجاة لبعض الاقتصادات، من أجل كبح جماح الانكماش الحاصل، لتكون الزراعة والصناعة أحد محركات النمو الاقتصادية الرئيسة، فمع تزايد الاستهلاك للمواد والسلع المنتجة محليًا، وارتفاع الصادرات، وتقليل الاعتماد على الواردات، تشكّل هذه العوامل وصفة اقتصادية واستراتيجية تناسب متطلبات المرحلة.
عالميًا وفي السنوات الأخيرة برزت تجاذبات تجارية متعددة بين القوى الدولية الرئيسة، كالتي بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما دعا صندوق النقد الدولي في نهاية العام 2019 لإصدار تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية تحت إطار عنوانه "انكماش التصنيع العالمي، وارتفاع الحواجز التجارية"، وقد ذكر الصندوق في ملخص التقرير صراحة بأن "تصاعد التوترات التجارية والجيوسياسية زادت من عدم اليقين بشأن مستقبل النظام التجاري العالمي والتعاون الدولي بشكل أكثر على العموم، مما يؤثر سلبًا على ثقة الأعمال والقرارات الاستثمارية والتجارة العالمية"، عوامل أخرى تزيد من هذا التوجس مرتبطة بخروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي، وتصاعد في فوز الأحزاب والتيارات اليمينية والمحافظة في الانتخابات لبعض دول العالم.
في خضم هذه المعطيات العالمية المرتبطة بارتدادات جائحة فيروس كورونا، وحدوث انكماش في القطاعات الخدمية سيؤدي إلى تراجع المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، بالتزامن مع تخوفات مستقبلية بشأن التبادلات التجارية، وفي ضوء الانحرافات الحاصلة عن المستهدفات المعلنة، هناك حاجة لإعادة النظر في الأولويات الاقتصادية والاستراتيجية للفترات القادمة، ليشكّل قطاعا الزراعة والصناعة أساسًا لعملية التعافي الاقتصادية، وضرورة البناء على علاقات المملكة المتميزة مع الدول العربية عامة، ودول الخليج العربي، ودول الجوار خاصة؛ لتكون ضمن منظومة أمن غذائي واقتصادي متكاملة تبني على الميز التنافسية التي تتمتع بها المنطقة.