لا شك بأن للعيش في المدن الكبيرة مزايا كثيرة، من أهمها توافر فرص عمل وخدمات ومرافق أكثر بكثير من المدن الصغيرة والقرى؛ ومن هنا يُقبِل الناس عليها بأعداد غفيرة.
بيد أن للتجمّعات البشرية الكبيرة هذه، وبالذات إذا لم تكن مُؤسسة على تخطيط مدني مُحكم ومتابعة مستمرة وصارمة، العديد من السلبيات.
منها فوضى العمران وازدحام السير ومخاطر المرور وعشوائية الحركة والضوضاء والتلوث.
ومن هنا تأتي أهمية السرعة والاحترافية والدقة في معالجة المشاكل، واجتراح الحلول التي تجعل الحياة في المدن الكبيرة مريحة وممتعة.
وهذا ما نشهده في العديد من المدن العالمية التي نزورها، والتي نعجب أيّما إعجاب بالمزايا التي تجعل منها مدنا صديقة لقاطنيها: من حدائق غنّاء وشوارع أنيقة وأرصفة رحبة وأنظمة نقل متطورة.
ولعلّ أهم ما يُميزّها أنها مواتية للمشي والجري وركب الدراجات الهوائية وممارسة الرياضة بأنواعها من قبل الأطفال والشباب والشيوخ، أفراداً كانوا أم جماعات.
أما بالنسبة لمدننا فقد تطورت في عدة جوانب مهمة عبر السنوات، بيد أنها بقيت لغاية الآن – وعلى نحو عام – غير صديقة للنّاس.
فالأولوية الأولى فيها للسيارات بأنواعها، والتي غزت شوارعنا وأحياءنا بأعداد ضخمة، على مدار الأسبوع وعلى مدار الساعة، مسبّبة صخباً وضوضاء وتلوثاً وخطراً داهماً على حياة الناس.
لا بل إنها قضت على مفهوم الحي الهادئ الوديع الصديق لقاطنيه الذي عرفناه في حقب خلت.
في الظروف الطبيعية، الفترة الوحيدة التي يمكن للواحد فينا أن يستمتع بشيء من الراحة والأمان في استخدام الطريق أو التمشي في الحي هي فترة صباح وضحى الجمعة. ما عدا ذلك فهي فترات ازدحام وفوضى وجنون.
من هنا كانت من نِعَم الحجر أو الحظر في مرحلة كورونا التي نعيش عودة الهدوء النسبي للطريق وعودة سكينة الحي التي فقدناها.
ودون الدخول في مزيد من التفاصيل نسأل: هل يمكن ونحن على أعتاب العودة للحياة الطبيعية، والتي حولناها باستخدامنا المبالغ فيه لآلات الفوضى والضوضاء إلى حياة غير طبيعية، هل يمكن أن نفيد من تجربة حظر استخدام السيارات بفرض حظر عليها أيام الجمع؟
إن من شأن ذلك أن يتيح للناس الأمن والأمان والمتعة في استخدام الحي والطريق، ومن شأنه أن يضفي صبغة «طبيعية» على حياتنا.
هل نحن فعلاً بحاجة لاستخدام السيارات بهذ الكثافة يوم الجمعة بالذات؟
فالمسجد يمكن أن يسعى له الناس مشياً، وفي المشي صحة وأجر. والحاجات يمكن قضاء الملحّ منها من بقالة الحي أو الملحمة أو عريشة الخضار، فيتزود الناس بحاجاتهم ويرتزق أصحاب هذه المشاريع الصغيرة التي كادت أن تقضي على أرزاقهم الأسواق العملاقة.
ويلعب الأطفال في الحي بأمان، ويمارس الناس رياضة المشي بهدوء وطمأنينة، ويتمتعون بجلسات عائلية في بيوتهم بسكينة وهواء نقي. هل يمكن أخذ مثل هذا الإجراء في المقبل من الأيام لجعل حياتنا أكثر طبيعية، ولو ليوم واحد في الأسبوع؟
نأمل ذلك، والمطلب ليس مستحيلاً.(الرأي)