ليست قضية الفلسطينيين وحدهم
ماهر ابو طير
06-06-2020 02:38 AM
مرت يوم أمس الجمعة ذكرى النكسة، ذكرى سقوط القدس كاملة ومناطق في فلسطين عام 1967 بيد إسرائيل بعد حرب الأيام الستة، والذكرى مرت بشكل خافت في العالم العربي، المشغول بحروبه هنا وهناك، والغارق في أزمات كورونا، والصراعات السياسية، والبطالة والفقر والمديونية، وقراءة المستقبل، وانتظار حلول من حيث لا نحتسب.
أبشع ما تعرضت له القضية الفلسطينية، تلك التقسيمات، فهناك عرب 1948 وهذا المصطلح إسرائيلي، لكن سائد عربيا، رغم أنهم فلسطينيون، من مناطق فلسطين التي احتلت عام 1948، الممتدة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وهناك مصطلح الضفة الغربية، رغم أن هذه المناطق هي أيضا فلسطين التي احتلت عام 1967، وهناك مصطلح القدس الشرقية، تارة، والقدس الغربية، تارة أخرى، رغم أن القدس واحدة، لكن التقسيم اللفظي، توطئة لقبول التقاسم الجغرافي، وتثبيت حق الاحتلال في غربها، مقدمة للدخول الى شرقها.
مئات المصطلحات التي تم تثبيتها زورا وبهتانا في سياقات إعادة إنتاج فلسطين جغرافيا وإنسانيا، والذي يتأمل اليوم يجد أنه أمام أكثر من فلسطين واحدة في تعريفات دارجة؛ إذ إن هناك غزة ولها قضيتها الخاصة، وحكمها الخاص، وصراعها مع الاحتلال أيضا، وهناك فلسطين المحتلة عام 1948 التي باتت إسرائيل، ولا يناقش بشأنها أحد، بعد اعترافات جماعة أوسلو وغيرها من جماعات، وهناك أيضا، مناطق الضفة الغربية، وقد قسمتها إسرائيل الى فئات ثلاث، وتريد إسرائيل ضم فئة C اليوم، وهناك القدس، ومع هؤلاء كم هائل من التقسيمات والتلوينات في المهاجر.
التقسيمات الجغرافية تلحقها تقسيمات من حيث المواطنة، فهناك داخل فلسطين، أربع مجموعات؛ واحدة يديرها الاحتلال بجوازات إسرائيلية في فلسطين المحتلة عام 1948، وواحدة تحمل جوازات سلطة وطنية فلسطينية في مناطق فلسطين المحتلة عام 1967، ومجموعة ثالثة تحمل هوية إقامة إسرائيلية فقط، في القدس، وهناك من هو فلسطيني سياسيا، ومعه جواز سفر فلسطيني، لكنه محشور في غزة وشروطها، وطقوسها، وتعريفاتها، وعزلتها.
المؤلم جدا، أن فكرة تقسيم الفلسطينيين، امتدت الى التنظيمات الفلسطينية، عشرات التنظيمات ولدت، بعضها حارب إسرائيل، وبعضها حارب إسرائيل ثم حارب تنظيما ثانيا، وبعضها استلقى في حضن هذا النظام العربي أو ذاك، راضيا أو مرغما، ويكفي الانقسام الذي نراه بين غزة ورام الله، دليلا ساطعا على بقية الانقسامات، التي نراها في كل مكان.
حرب التقسيمات على أساس التصنيفات اللغوية، والتجمعات الجغرافية، والهويات السياسية، ثلاثية أخطر بكثير من فكرة النكبة أو النكسة، لأن النكسة زلة قومية كبرى قد يمكن تجاوزها، لكن هذه التقسيمات يراد منها تصنيع مجاميع بشرية لا رابط بينها، ولكل مجموعة قضيتها وأزمتها الخاصة، التي قد ترتبط بالقضية الكبرى، أو حتى تتصادم مع قوانينها، وإسرائيل التي أوغلت في العالم العربي، جرت كل المنطقة الى حيث تريد، والذين سكتوا على احتلال فلسطين، والتجهيز لذلك قبل عام 1948 ثم إعلان دولة الاحتلال، يدفعون الثمن اليوم.
لقد قيل مرارا إن إسرائيل ليست خنجرا مغروسا في ظهور الفلسطينيين، وحدهم، ونرى ما نراه من خراب عم في كل بلاد الشام والعراق، وحدة الهلال الخصيب المحيطة بفلسطين التي تم تدميرها، لمعرفة إسرائيل ومن يعمل معها، إن هذه المنطقة هي خزان الدم الأول لفلسطين، ولا بد من تدميرها وتقسيمها أيضا الى طوائف وفئات وجماعات، ونهب الحياة فيها بكل الوسائل، فهي سند الفلسطينيين، والخطر أيضا على إسرائيل في الحسابات الاستراتيجية.
إدراك معنى النكبة أو النكسة، يفرض إعادة مراجعة لكل القواعد والقوانين التي تم اعتمادها في الصراع، وأولى هذه القواعد الخلاص من المصطلح الأكثر خطورة؛ أي مصطلح القضية الفلسطينية، فهو يريد أن يقول إن هذه مشكلة الفلسطينيين وحدهم، وعليهم أن يحلوا هذه المشكلة، فيما تبني هذا المصطلح في ظل حفر إسرائيلي متواصل يريد إعادة إنتاج كل شيء، يجعل الهزيمة مؤكدة، فالفلسطيني دون العربي والمسلم، غير قادر على دحر الاحتلال، والقضية هنا، قضية فلسطين العربية والإسلامية بما تعنيه الكلمة، من مسؤولية وواجبات وكلفة، فيما ثاني الحقائق ضرورة الاعتراف بكون ما يسمى عملية السلام مجرد فخ، قاد الى الاعتراف بإسرائيل، ومنحها الشرعية، وهي كارثة ثانية تفوق النكبة والنكسة، معا.
(الغد)