من أخطر العوامل المثبطة لجهود وقف ضم أراض بالضفة الغربية وغورها ذلك المرتبط بالتوقيت الذي اعلن عنه نتنياهو وهو بدايات شهر تموز. في هذا الشهر ستكون المعركة الانتخابية الرئاسية في أميركا قد احتدمت وسيتسابق المرشحان للحزبين لكي يجلبوا اصواتا من القواعد المؤيدة لاسرائيل بالولايات المتحدة ويستبسلوا في تقديم صكوك الالتزام بدعم اسرائيل. ثمة توقعات ان تكون قضية الضم من القضايا التقسيمية في الانتخابات الاميركية وقد يقف الحزب الديمقراطي موقفا حازما ضد الضم تحت شعار أن الأفضل لاسرائيل ومستقبلها أن لا تضم الأراضي بل أن تساعد على قيام دولة فلسطينية لأن وجودها ضمان لعدم احقاق الدولة الواحدة التي هي وصفة انتحار لاسرائيل. المرجح لكن ان يستمر المرشحان الانتخابيان بالهروب من هذه القضية وتقديم مواقف عامة داعمة لاسرائيل تتعهد باستمرار تقديم الدعم اللامتناهي لها.
لم يسبق ان كانت سياسات اسرائيل تقسيمية داخل الولايات المتحدة كما هي في هذه المرحلة وهذا بسبب رعونة وغرور رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو. كانت اسرائيل تتمتع بدعم قوي غير مختلف عليه عبر الأحزاب وغالب القوى السياسية الاميركية، اما الآن فالحزب الديمقراطي يبتعد بشكل واضح عن سياسات اليمين الاسرائيلي والحزب الجمهوري يميل بشدة لذلك اليمين مبتعدا عن الوسط واليسار. هذا معناه استراتيجيا أن الدعم لإسرائيل سوف يدخل مراحل من المد والجزر في واشنطن قد تشكل فرصة للأصوات العربية لاستثمار ذلك والدفع باتجاه الحل العادل المبني على اقامة دولتين واعطاء الفلسطينيين حقوقهم الوطنية المشروعة.
أصوات اميركية وازنة وهامة تحذر من الضم وتكلفته السياسية. أولها انه يعزز ان سياسات اسرائيل باتت تقسيمية مختلف عليها في واشنطن، وثانيها عدم منطقية الضم لأنه يتعارض مع موقف الادارات الاميركية بما فيها الحالية بوجوب وجود دولة للفلسطينيين وإن كان الخلاف على ماهيتها كبيرا، وأخيرا إن الادارة الحالية على انحيازها الصارخ لنتنياهو بدأت تطالب بالإبطاء في الضم لأنها تستشعر خطورته الاستراتيجية وتشعر ايضا ان نتنياهو انتقائي بتطبيق صفقة القرن وفي هذا استخفاف بأصحاب الصفقة. الضم ايضا سيرتب صداما كبيرا مع الاردن صاحب المصلحة العليا بإقامة الدولة الفلسطينية لارتباط ذلك بملفات سيادية اردنية نصت عليها معاهدة السلام، والحال ذاته مع مصر الموقعة لاتفاق سلام مع اسرائيل على اساس تفاهمات اهمها اقامة دولة فلسطينية ومبدأ الارض مقابل السلام.
الدول العربية المنفتحة لعلاقة مع اسرائيل تجد بالضم إخلالا بمواقفها المعلنة التي تقول إن العلاقة مع اسرائيل لا تعني انها ستكون على حساب المواقف والقناعات ان العدالة المتمثلة بقيام دولة فلسطينية هي التسوية التي ستحقق الاستقرار بالشرق الاوسط. وأخيرا، فإن العلاقة الهامة مع الفلسطينيين لن تستقيم ولا يكون لها جدوى او فائدة أمنية اذا لم يكن هناك تسوية تحقق لهم قيام دولتهم وقرار الضم يضرب ذلك في الصميم. كل هذه الافكار تم تداولها ليس من قبل الأطراف العربية والفلسطينية فحسب بل من قبل الأصوات التي عرفت بدعمها لاسرائيل لأنها ترى الضم قرارا يتعارض استراتيجيا مع الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط المتضرر الأساسي من غيابه اسرائيل.
(الغد)