تعد الكتابة القانونية من أكثر أنواع الكتابة أهمية كون أن القانوني بشكل عام يتعين عليه تناول مواضيع قانونية ذات علاقة بمسائل ومشاكل مجتمعية بواسطة ربطها بالواقع المعاش. في سبيل ذلك، يتعين على القانوني عند تناول أي موضوع ذي بعد قانوني أن يربط ذلك الموضوع بالبعد التطبيقي "القضائي"، وإلا فإن تلك الكتابة سوف تكون نظرية بحتة يغلب عليها الطابع الوصفي ما يفقدها عنصري التشويق والإثارة، إضافة إلى أن ذلك يفقدها أهميتها المجتمعية والعملية في آن.
وتعد الكتابة القانونية فنا، مثل فن الإدعاء والمدافعة في ساحات المحاكم.وكتابة الأكاديمي الذي عمل في الحقل القضائي كمدع عام "وكيل نيابة" أو قاض تختلف عن كتابة غيره، كون تلك الكتابات تكون ممزوجة بطابع عملي إضافة إلى البعد الأكاديمي.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن الفكر القانوني إرستقراطي بطبيعته، وإلا بماذا نفسر قيام المحامين الإنجليز في فترة من الفترات بصد وإفشال كافة المحاولات المجتمعية لتبسيط اللغة القانونية؟. ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أن اللغة القانونية يجب أن تكون حكراً على من يعملون في الحقل القانوني أو القضائي دون معرفة باقي أفراد المجتمع بها، خصوصاً في عصر تكنولوجيا المعلومات الذي نعيش وسهولة الحصول على المعلومات، ما يشمل القانونية أيضاً، وإنما المقصود أن لا يتم استخدام لغة قانونية ركيكة من قبل المحامين عند الحديث مع زبائنهم "موكليهم"، أو من قبل القضاة أثناء نظر جلسات المحاكمة. على سبيل المثال لا الحصر: يقوم بعضالزملاء المحامين العرب الأفاضلباستخدام لغة عامية أثناء الحديث مع موكليهم بخصوص مسائل قانونية ما يفقد اللغة القانونية بريقها. كذلك، يقوم بعض القضاة الأفاضل في عالمنا العربي أحياناً باستخدام عبارات غير صحيحة شكلاً أثناء نظر الجلسات كالقول مثلاُ، يقدم أو يعرض مرافعته، والأصح القول يبدي مرافعته.
ويلاحظ في بعض الكتابات القانونية في العالم العربي على كثرتهااستخدام لغة يغلب عليها الطابع الوصفي دون استخدام الأسلوب التحليلي لأحكام قضائية بشكل معمق. ويلاحظ كذلكعدم استخدام العبارات الصحيحة الخاصة بالحقل محل البحث نظراً لغياب التخصصية في بعض الأحيان، ونظراً لغياب الممارسة العملية "القضائية" في أحيان أخرى، ما ينبغي معه التنبه لهذا النوع من الكتابات، خصوصاً أن الطلبة والدارسين والقارئين بشكل عام، قد لا يكون لديهم المعرفة الكافية والخبرة للتمييز بين الغث والسمين من بين المؤلفين. ويحضرني في هذا السياق بحث قمت بتحكيمه سابقاً قام مؤلفه باستخدام لغة تتعلق بحقل قانوني مختلف عن الحقل محل البحث ما أثار استغرابي الشديد، رغم أن موضوع البحث كان جديداً ومختلفاً إلى حد كبير.
وثمة مشكلة أخرى ألاحظها في بعض الكتابات القانونية في العالم العربي، مع الاحترام،وتتعلق بغياب المنهجية العلمية الواضحة والصحيحة الواجب اتباعها أثناء الكتابة القانونية. وذلك يعود بشكل أساسي إلى اهتمام المؤلفين أحياناً بالجانب الموضوعي للبحثعلى حساب الجانب الشكلي على أهميته. من ذلك مثلاً، قيام أحد الأكاديميينبنشر مؤلف حول اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدوليللبضائع "اتفاقية فيينا لعام 1980" دون وجود فهرس للمحتويات. إضافة إلى قيامه بالمقارنة بين أنظمة قانونية ودول مختلفة بشكل عشوائي دون اتباع منهجية بحث علمي واضحة المعالم. وقيامه كذلك بإدراج هوامش خاصة بالتوثيق في كل جزئية تناولها المؤلف المذكور ما أفقده الجانب المتعلق بالأفكار الأصلية التي يجب أن تكون الغالبة في أي مؤلف قانوني.
ختاماً، لا بد من الإشارة إلى أهمية تحكيم المؤلفات قبل نشرها وذلك من أجل ضمان دقة وصحة المعلومات الواردة فيها، غير أنه لا بد من الإشارة هنا، وبحكم خبرتي الأكاديمية والعملية المتواضعة، أن بعض المؤلفات التي تم تحكيمها ونشرها لا ترقى للمستوى المطلوب، وتشوب بعضها أخطاء موضوعية وشكلية مما ينبغي معه التنبه إلى تلك الجزئية أيضاً عند قراءة أية مؤلفات قانونية.