منظمة دولية «جديدة» في دائرة الإستهداف الأميركي, بعد ان تم وَصْم منظمة الصحة العالمية بالإنحياز للرواية الصينية حول فيروس كورونا, فضلاً عن قطع التمويل الأميركي عنها، وقبلها خضعَت منظمة اليونسكو لقصف صهيواميركي مُكثف وحملات شيطنة لم تتوقّف, حتى بعد أن «بادرت» واشنطن وتل أبيب بالإنسحاب من هذه المنظمة المرموقة, بذريعة توفّرها على أغلبية دول مُعادية للسامِية، وبالتالي لا تتوقّف عن انتقاد إسرائيل وسلوكها المُشين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما من داعٍ للتذكير بما تتعرّض له منظمة الأمم المتحدة ذاتها, من حملات تشويه وانتقادات أميركية/صهيونية لاذعة وبخاصة «الجمعية العامة»، حيث أغلبية اتوماتيكية تصوّت بحماسة ضد إسرائيل كما تقول الاتهامات الصهيواميركية التي تُغلّف انتقاداتها بحاجة المنظمة الدولية إلى إصلاح بنيوي وهيكلي للتخلص من البيروقراطية والجمود, اللذين يُسيطران عليها كما تقول الدعاية الأميركية/الإسرائيلية.
جديد الهجمة الأميركية و(الإسرائيلية) المُنفلتة العِقال على المنظمات الدولية, التي تلتزم ميثاق الأمم المتحدة في سلوكها ومقارباتها وقراراتها ذات الصلة, هو تلك الهجمة التي «جدّدها» أسوأ وزير خارجية أميركي واكثرهم عدوانية وحنيناً الى اجواء الحرب الباردة وعسكرة العلاقات الدولية, وخصوصا انحيازه الفاضح والمكشوف للمشروع الكولونيالي الاستيطاني العنصري الصهيوني في فلسطين المحتلة...بومبيو، الذي لوّح قبل يومين بفرض «عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي» بعد قرار المحكمة «فتح تحقيق في جرائم حرب أميركية في أفغانستان (وآخر حتى لا ننسى) جرائم حرب إسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة والاستيطان اليهودي في الضفة الغربية.
بومبيو قال في صفاقة لا يُحسَد عليها: إن إدارة ترمب ستُصدِر خلال الفترة المقبلة «سلسلة» من البيانات, ليس فقط -أضاف- من وزارة الخارجية، وإنما من وكالات أُخرى في الحكومات الأميركية، في محاولة لمُواجهة ما تحاول المحكمة الجنائية الدولية القيام به».
هي إذاً حرب شعواء ربما تكون اكثر ضراوة من تلك التي شُنِّت ضد منظمة الصحة العالمية، وخصوصاً ضد اليونسكو ووكالة «الأُونروا» المَعنية بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين, كونها مُتصلِة بالقضية الفلسطينية وصفقة القرن, والمحاولات الأميركية المدعومة من بعض العرب لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني, والطمس على روايته وحلمه الوطني باقامة دولته المُستقلة.
لم يتوقف زعيم حزب الحرب في إدارة ترمب عند التذرّع (المرفوض قانونياً ودولياً) بأن بلاده (كما إسرائيل) لم توقّع على اتفاقية روما التي اسّست المحكمة, بل ذهب بعيداً في اتهام المحكمة بأنها «فاسدة», مُتعهداً بان بلاده (مُصمِّمة) على حماية الجنود الأميركيين الذين حاربوا بموجب قانون الدولة (الأكثر تَحضُّراً) في العالم.. كما زعم.
لِنتخيّل حجم هذه الصفاقة وكيف تصِل الغطرسة الأميركية أمدية لم تعهدها البشرية من قبل, حتى في ظل هيمنة خطاب الفاشية والنازية على المشهد الدولي في ثلاثينيات القرن الماضي, وبخاصة عندما يقول بيان للخارجية الأميركية الداعم لاستيطان اسرائيل وعُنصريتها: إنّ قرار الجنائية الدولية (بالتحقيق في الجرائم الصهيونية في فلسطين) يٌثبت أن المحكمة «كيان سياسي لا سُلطة قضائية وأن المحكمة – تُضيف الخارجية الأميركية – لا تملِك صلاحية قضائية للتحقيق مع إسرائيل, لأنها لم توقّع على اتفاقية روما».
حلف الشر الصهيواميركي ماضٍ في تحديه للقانون الدولي, مُتسلّحاً بأدواته الإعلامية الهائلة وضغوطه السياسية وعقوباته الاقتصادية, ومٌستفيداً من «الدعم» الذي تقدمه له أنظمة تابعة وأخرى لا تملك «ترف» قول «لا» أو حتى الوقوف على الحياد, ولا غرابة إذا ما رضخت أو تراجعت تلك المنظمات الدولية عن قراراتها, واختارت الصمت وابتلاع الألسنة حتى لا تُتَّهم بالعِداء للسامية, أو يتم «اختراع» ملفات لها بالفساد أو التحرّش الجنسي أو تهريب المُخدرات.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي