شدت انتباه العالم الأحداث الجارية في الولايات المتحدة. الدولة الأقوى في العالم تعاني من مشكلة غياب المساواة والعدالة لأقلياتها العرقية، وما أن قُتل أميركي أسود على يد شرطي أبيض حتى صعدت للسطح المطالبات الغاضبة بالعدل والمساواة بين الأميركيين من كافة الأعراق.
قطعت أميركا شوطا كبيرا لإزالة اللامساواة، وتحقيق العدل منذ الحرب الأهلية، ثم حركة التحرر المدني التي قادها مارتن لوثر كنغ، لكن ثقافة اللامساواة واللاعدالة لا زالت موجودة في بعض الممارسات وتدلل عليها مؤشرات متنوعة مثل العنف الشرطي ضد السود والأقليات الأخرى الأميركية، وتراجع التعليم وتزايد الفقر بين الأقليات، واحتمالية عالية بأن يحكم عليهم بالإعدام مقارنة بالأميركيين البيض، إضافة للاعدالة في الأجور والوظائف.
ليس ما يحدث الآن كرها من الأقلية الأميركية السوداء لبلادهم ولا للشرطة، فهم 13 % من سكان أميركا ومثلهم الأميركان اللاتينيون، و5 % عرب ومسلمون، بالإضافة للأقلية الآسيوية واليهودية، وكثير من رجال الشرطة هم من هذه الأقليات لأنهم الأقدر على التعامل معها، ما يحدث الآن هو غضب من الممارسات العنصرية المتمأسسة في سلوكيات البعض وضرورة تفعيل طرق إنهائها.
هناك محاولات مستمرة ضمن منظومة المؤسسات الأميركية لدعم الأقليات سواء بالتعليم أو العمل، والحكومة الفيدرالية لا تقدم كثيرا من أوجه الدعم إلا إذا ما حققت الولايات والجامعات والممارسات شرط قبول ودعم التنوع المجتمعي بين كافة أطياف الشعب الأميركي وأقلياته، ومن أوضح هذه الممارسات ما يحصل عليه الأميركي الملون من دفعة لدخول الجامعة تزيد من فرصه على قرينه الأبيض.
المشكلة الاجتماعية في أميركا معقدة ومركبة ولكن المؤسسات والمجتمع يستمر في محاولة التغلب عليها. المدهش في هذه الأزمة بالتحديد طريقة تعامل الرئيس الأميركي معها الذي أظهر إفلاسا قياديا عجيبا لا يمارسه زعماء الدول الديمقراطية. الرئيس يذهب للكنيسة القريبة من البيت الأبيض ويرفع الإنجيل!
وكأنه يزاود بتدينه على المحتجين، أو أنه محمي من الكتاب المقدس في مسعاه لمواجهة حركات الاحتجاج التي أسماها بالإرهابية واللصوصية. صحيح أن الحرق والتكسير والسرقة التي مارسها البعض عمل إجرامي، لكن شرارة الاحتجاجات كانت لأسباب العنصرية الممأسسة التي تمارس ضد الأقليات والسود. الرئيس ظهر قائدا مقسما وشارخا للمجتمع الأميركي في لحظات يحتاج فيها هذا المجتمع لمن يوحده تحت عناوين تجميعية لا تقسيمية.
أقوى وأعمق تعليق على سلوك الرئيس الأميركي جاء من قائد الجيش الأميركي السابق ومن المرشح الديمقراطي بايدن؛ الأول شكك في سوية قرارات الرئيس وأوامره التي يوجهها للجيش معتبرا أن ذلك هو الخطر، معيبا على الرئيس اعتباره المدن والأحياء الأميركية ساحات معركة يجب أن يتم السيطرة عليها من الجيش، وعبر عن القلق من تسييس المهمات العسكرية وعسكرة المهمات السياسية من قبل ترامب داخل أميركا وخارجها.
أما بايدن، فتمنى لو أن الرئيس يقرأ الكتاب المقدس الذي رفعه بيده أثناء الأحداث ليعرف أن الإنجيل يطلب من الكافة أن يحبوا بعضهم البعض وهو عكس ما أظهره وقام به ترامب.
الغد