حبس المدين المعسر في ظل سمو المعاهدات الدولية
المحامية ايناس الفقهاء
03-06-2020 09:49 PM
إن الدستور الأردني وتحديدًا المادة ٨ منه حظرت القبض أو التوقيف أو الحبس أو تقيد الحرية لأي إنسان بشكل مطلق وأحالة ما دون ذلك من حالات إلى القانون، وجاء قانون التنفيذ رقم ٢٥ لسنة ٢٠٠٧ في المادة ٢٢ منه وفرضت على المدين حبسًا تنفيذيًا لمدة ٩٠ يوم في السنة الواحدة، على الدين الواحد ولكن في ذات الوقت جاء العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ونص في المادة الحادية عشر منه على: "لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي."
ومع صدور القرار الدستوري رقم ١/٢٠٢٠ والذي منح سمو المعاهدات الدولية على القوانين قوة دستورية، عوضًا عن كونها عرف قضائي، نجد -وللوهلة الأولى- أن تصديق الأردن على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وأنه اصبح ساري المفعول في ١٥/٦/٢٠٠٦ ونشر في الجريدة الرسمية على الصفحة رقم ٢٢٢٧، العدد ٤٧٥٤ وبالاستناد إلى القرار التفسيري رقم ١/٢٠٢٠، فإن المادة ٢٢ من قانون التنفيذ لا يجب إعمالها، وأنها تتعارض مع المادة ١١ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ولكن على العكس من ذلك تمامًا إذ أن المادة ١١ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية جاءت لتنظم المادة ٢٢ من قانون التنفيذ
فنجد أن المادة ٢٢ من قانون التنفيذ أجازت للدائن حبس مدينه لمدة ٩٠ يوم في السنة الواحدة عن الدين الواحد، ولم تحدد دين معين وإنما جاءت مطلقة لتشمل كافة الديون أي كان مصدر الالتزام، أو نوعه بينما جاء العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة ١١ منه و وضع حكمًا خاصًا فيما يتعلق بحبس المدين، فعند تفسيرها نجد أن هذه المادة تطلبت لنفاذها توافر شرطين:
الأول عجز المدين عن الوفاء
الثاني أن يكون مصدر الدين التزام تعاقدي
بالتالي نجد أن المادة ٢٢ من قانون التنفيذ وضعت حكمًا عامًا تضمن حبس المدين عن أي التزام، بينما المادة ١١ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية قيدت المادة ٢٢ السابقة ولم تعارضها، ولا أرى أن هناك إمكانية للتذرع بالقرار التفسيري رقم ١/٢٠٢٠ للتملص من الالتزامات الأخرى التي لم تنظمها المادة ١١ من العهد الدولي فعند الوقوف على الشرط الاول نجد انه يمكن إثباته وفقًا للقواعد العامة في إثبات التزام تعاقدي بينما فيما يتعلق بالشرط الثاني والذي نص على أن يكون مصدر الدين: التزام تعاقدي فإنه و وفقًا للسوابق القضائية أرى أن مصدر الالتزام هنا هو العقد فقط دون سواه من مصادر الالتزام الأخرى (كالفعل الضار، الفعل النافع، القانون، الإرادة المنفردة ) والالتزام التعاقدي مستقل عن غيره من الالتزامات الأخرى كالالتزام الصرفي (تحرير ورقة تجارية) بالتالي فلا مجال للقول بأن هناك تعارض بين المادة ١١ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ومادة ٢٢ من قانون التنفيذ، فالأولى قيدت جزءً من الثانية يتعلق بالتزام تعاقدي، بالتالي يجب إعمال قاعدة الخاص يقيد العام ولا يتعارض معه ولكن على الرغم مما سبق فأنا لا أشجع حبس المدين المعسر، وإن كان يحقق نوعًا من الردع العام للكافة، وردعًا خاص لذات المدين، إلا أنه لا يحقق الغاية المرجوة من النص إذ أن مصلحة الدائن أن يتم الوفاء له بديونه، وإن تم حبس المدين المعسر فلن يستطيع الدائن استيفاء حقه، وحبسه يكلف خزينة الدولة شيئًا من النفقات، فالأولى أن يتم تخييره -إن كنا بصدد التزام آخر غير الالتزام التعاقدي- بين الحبس وبين العمل مدة الحبس أو أكثر في بيئة عمل توفرها الحكومة للمدين المعسر فيستطيع الوفاء بجزء بسيط من التزاماته المستحقة في ذمته لصالح دائنه وبذلك توفر الدولة نفقات سجين وتحرك العجلة الاقتصادية والأهم من ذلك تحقق استقرار امني في المجتمع وتقلل من المنازعات.