هل فقدت الحكومة ثقة الجمهور؟
د.إياد عبد الفتاح النسور
03-06-2020 07:41 PM
هل فقدت الحكومة ثقة الموظفين والعاملين في القطاعين العام والخاص أو القطاع الأهلي؟ يظهر ذلك بشكل جلي بالنظر إلى الآثار السلبية لقرارات وزارة العمل التي أصدرتها بفعل أوامر الدفاع. ففي فترة سابقة كنا نعاني من ضعف في الطلب ، ولكن تحولنا الان إلى صدمة في الطلب بفعل التخفيض الكبير على الأجور والرواتب، واستخدمت الحكومة كل أدواتها المتاحة لتعميق ذلك قبل الأزمة وخلالها فكانت كفيلة للقضاء على البشر قبل أن تقضي على كورونا.
هل يعقل أن تتخلى الحكومة عن واجباتها في هذه الظروف ، وترمي بالفقراء على قارعة الطريق لتحقيق المزيد من المنافع والوفورات المالية على حساب الكثير من المؤشرات الاجتماعية ؟ وهي تعلم أن دول العالم تنفق المليارات لتخليص شعوبها من الفقر والبطالة، لا أن تكون عوناً عليهم في هذه الظروف المتردية أصلاً .
هل فقدت الحكومة ثقة المستهلك؟ هذا المستهلك الذي طالما نظرت له الحكومة كقوة شرائية ومصدر جباية مفترضة ودافع لتحريك الاقتصاد ، فتخفيض الأجور والرواتب التي لم تكن بالكاد تكفيه ، يعتبر ضربة في صميم الطلب الكلي الذي سيتهاوى أكثر بفعل ذلك. وهنا لا أعلم كيف تفكر الحكومة بتحسين السيولة وتحسين الإيرادات الضريبية ، وهي تقلل في الوقت نفسه من الدخل المتاح للإنفاق الفعلي الذي يحرك السوق. هذا سيكون له تداعياته السلبية على حجم الاستهلاك الخاص، وبالتالي انخفاض نصيب الحكومة من الإيرادات الضريبية التي تعول عليها في الموزانة العامة . هذه الدورة ستصيب حجم الإنتاج الذي سينخفض أكثر مما يقلل من استخدام العمالة في عدد جديد من القطاعات الاقتصادية ، وكل ذلك يمهد للدخول في دورة الكساد المرتقب . انخفاض الانتاج وزيادة البطالة مهدت له الحكومة في أكثر من مناسبة قبل أوامر الدفاع والتي كان من المفترض أن تكون تنظيمية للاقتصاد وحافزا لمكافحة الفساد ، لا ان تستنزف في إجراءات إدارية بحتة . مساهمات العمالة في الضمان سوف تنخفض بفعل انخفاض قيم اشتراكات العاملين ، كما ستزداد السحوبات بفعل خروج الكثير من سوق العمل ويصبحوا عاطلين عن العمل، ما يعني الحصول على رواتب تقاعدية جديدة من الضمان أو سحب مدخراتهم وفي كلتا الحالتين ضغط إضافي على موارد الضمان التي استنزفتها الحكومة أصلاً بالاقتراض.
هل فقدت الحكومة ثقة المستثمرين ؟ وهي في كل مناسبة ترفع راية عنوانها العريض التهرب الضريبي واستباحة أموال الناس ، وأنا لا اتكلم عن المتهربين فعلياً الذين يجب ملاحقتهم واسترداد حقوق الخزينة وسجنهم بجانب الفاسدين والمستغلين لها، ولكن الإجهاز بهذا الشكل يدخل الشك والخوف والريبة إلى قلب كل من يفكر الاستثمار والدخول إلى الأردن ، فرأس المال "جبان" وفي أدبيات الاستثمار يعد عنصر ضمان وامان راس المال أهم من سعر الفائدة ومن محفزات ومحددات الاستثمار الأخرى . فالشو الاعلامي المرافق لذلك بحجة اقناع الناس بالاصلاح لم يتحقق، وعليه يجب على الحكومة تبديل خطة اللعب مع هذه الملفات، والجدية في استرداد وتحصيل المبالغ المطلوبة، رغم أننا من سنوات نسمع صوتا ولا نرى طحينا .
هل فقدت الحكومة ثقة أبنائها المغتربين؟ هذه الفئة التي وجهت لها الحكومة أكثر من ضربة استباقية، وفقدت البوصلة معهم منذ الأيام الأولى لكورونا ، وتصريحات أزمة الخلية لاحقاً ، فالشو الإعلامي كان في استضافة عدد من الاردنيين المقتدرين اصلا من ابناء شخصيات معينة ، وقامت بحجرهم على حساب الحكومة في البحر الميت ، لذلك فهي نجحت في استعطاف المؤسسات الدولية المانحة والمقرضة ، لكن تلك الفترة لم تكن تحتوي على مؤشرات حقيقية واضحة حول من فقدوا وظائفهم أو من تقطعت بهم السبل. بعد ظهور المؤشرات الفعلية حول ذلك، أدارت الحكومة ظهرها لهم واستغلتهم وقايضتهم بين حق العودة ودفع مبالغ كبيرة أو البقاء في الخارج، كما منعت الفئات الأخرى من المغتربين الدخول بالسيارات الخاصة عبر الحدود. وبالنتيجة هناك إحجام من قبل فئة كبيرة من المغتربين العودة هذا العام على الرغم من إدراك الحكومة بمقدار الفائدة والحراك الاقتصادي الذي تسببه عودة المغتربين صيفاً ، وعلى أقل تقدير تتضاعف إيرادات ضريبة المبيعات وتتحسن معدلات الإنفاق على شراء العقارات والأراضي. ادخار السيولة سيتم توجيهه إلى دول اخرى لغرض السياحة وكل الدول ترحب بهم. إحدى الشخصيات قللت من دور العمالة المغتربة في صندوق همة وطن، وهذا إشارة ضمنية إلى التوافق مع قرار الحكومة لمعاقبة هذه الفئة على عدم تبرعها للحكومة.
هل سأل القائل نفسه عن حقوق المغتربين في تعليم أبنائهم، وحقوقهم الأخرى وهم في الغربة.
السيولة المفترضة البالغة 500 مليون دينار والتي وجهت لتحسين مستويات السيولة ، أخذت من أموال المدخرين في البنوك المحلية وفقاً لنسب الاحتياطي الإجباري والاختياري ، ولذلك تم تعويض البنوك بتخفيض سعر الفائدة على المودعين كبديل لهذا الجزء المفقود من السيولة.
غضب الصحافة المحلية على كاريكتير لشخص الرئيس ، والترويج له لفترة رئاسية قادمة لمدة 4 سنوات اضافة لقيام مسؤولين سابقين بتضخيم الدور السلبي للحكومات السابقة على المالية العامة أدوات لم تعد تجدي نفعاً . فكل مسؤول سابق كان له دور ما في تأصيل سياسة الجباية، حيث أن مجمل سياستهم لم تمنح أي اهتمام أو شعور بقضايا الأردنيين وهمومهم المعيشية . لذلك وبكل امانة مبررات رحيل الحكومة أقوى بكثير من مبررات بقائها.