تتجمع المعطيات الدالة على ان الاحداث في المنطقة أخذت بالانفلات من نطاق السيطرة وهي تندفع بفعل قواها الذاتية المحركة الى حافة الهاوية بشكل لم يسبق له مثيل من زمن.
فالحرب في منطقتنا تنطلق عادة عندما يشعر الطرف الاقوى فيها (اسرائيل) بان الاحداث حوله تتدافع بعشوائية وان سيطرته الاستراتيجية عليها آخذة بالتراجع ولأن دولة بهذه المواصفات لا تستطيع تحمل تبعات ذلك بسبب انغلاق الافق المكاني الذي تتحرك ضمنه.. اذن يصبح قارب النجاة القفز الى ظهر الدبابة والتوجه ببساطة الى احدى الجبهات الممكنة الاشتعال.. ومن ثم اشعال نيران الحرب.
هذا التشخيص يمتلك امكانية ان يكون صحيحا اذا اخذنا بعين الاعتبار الحقائق الثلاثة التالية:
1- منذ عام 2006 دخلت اسرائيل فس حربين لم تكن نتائجهما متسقة مع ما اعتادت عليه في الماضي. ففي حربها على لبنان في تموز 2006 خاضت آلتها العسكرية المدججة بالسلاح معارك طاحنة في تلال وسهول الجنوب اللبناني ثم تراجعت بعد 33 يوميا من القتل والتدمير دون ان تحقق اي من اهدافها المعلنة وغير المعلنة رغم كثافة الامكانيات التي وضعت تحت تصرف الجيش فيها. اما في مطلع عام 2009 فقد انقضت اسرائيل على غزة المحاصرة منذ سنوات بكل ما لديها من قوة نار وفتك وما هي الا 22 يوما حتى خرجت بعد ان جعلت القطاع قاعا صفصفا، دون ان تحقق اي من اهدافها المعلنة او غير المعلنة .
2- لعقد كامل لا زالت ايران تتقدم في مشروعها النووي دون ان يكون للدولة الصهيونية اية مدخلات حقيقية في محاولة منع ايران من المضي قدما في المشروع الذي تعتبره اسرائيل اشد المخاطر تهديدا لها بعد التخلص من - التهديد الاكبر- .. الدولة العراقية التي كانت تشكل خطرا داهما على مستقبل كيانها.
3- حادثتان تزامنتا في الحدوث، الاولى انتخاب اوبما رئيسا للولايات المتحدة الامريكية مما يعني ان الصديق الصدوق لاسرائيل لم يعد مضمونا مائة بالمائة كما هي الحال في السابق بالرغم من كل المشاهدات السطحية التي نراها الان. اما الحدث الثاني فهو قيام الناخبون الاسرائليون بإيداع مستقبل الدولة الصهيونية بأيدي مجموعة من زعماء اليمين المتطرف من معتوهين وقطاع طرق.. هولاء الذين، نتيجة لتطرفهم العميق، يعجزون عادة عن رؤية الحقائق كما هي فعلا على ارض الواقع مما جعل منسوب شهية الحرب يرتفع بشكل ملفت داخل الكيان الذي بنى على عقيدة فكرية تعظم من قيمة القوة السافرة التي تستخدم فعليا دون ضوابط كمبرر لوجودها واستمرارها في الحياة.
اذن، امام معطيات كهذه ما الذي يمنع ليبرمان ومجموعته المتطرفة من السير وراء احلامهم المريضة في خوض حرب تتيح للبرمان وبقية المتطرفين حوله حلم الخلود والمجد في تاريخ بني اسرائيل.. حتى لو تحقق ذلك من خلال ويلات الحروب وعبثيتها.
qatamin8@hotmail.com