هل حان الموعد لأن تستنشق أمريكا نسائم الربيع الذي عملت بكل امكانياتها أن تستنشقه الدول العربية و تجني من ورائهِ أمراض الحساسية المُدمية ؟
لا أحد يعلم , لكن ما نعلمه جيداً بأن الصدفة شاءت أن تكون شكوى لرجل عربي احتيل عليه بمبلغ عشرين دولار مُزورة في أمريكا بدايةً لصفحة من الاحتجاجات الواسعة في أمريكا هي التي عملت على إشعال فتيل ما يسمى بالثورات العربية بدأت و كأنّها تشرب من ذات الكأس المر .
" لا أستطيع التنفس " كانت هذه آخر جملة نطقها جورج فلويد قبل أن يُفارق الحياة و كانت هذه الكلمات كفيلةً بأن تُشعل نار الاحتجاجات و ما يتبعها من عنف و نهب في عدة ولايات , فأمريكا ليست المدينة الفاضلة كما يتخيّلها التوّاقون للهجرة إليها , فهي لا زالت تعاني من حمّى العنصرية القاتلة التي تضرب أمنها بين الفينة و الأخرى و منهج النهب وقت الحرب متفشٍ فيها بشدة .
عملت أمريكا منذ بداية الربيع العربي على تأجيج الأوضاع في البلدان المضطربة بطرق عدة من ضخٍ للأموال إلى توريدٍ للاسلحة ناهيك عن الخطابات المشحونة حتى وصلت إلى إرسال الجيوش و ضرب الاراضي العربية بالصواريخ , كل هذه الأفعال كانت تفعلها أمريكا لهدف واحد كما بررت ألا و هو حماية المدنيين العُزّل و ضمان أمن مصالحها و قواعدها العسكرية في المنطقة, و اليوم نرى ما يشبه بدايات الربيع العربي يحدث في امريكا لكن هذه المرة كان دعم أمريكا من سلاح و قرارات موجّه للجيش في وجه المُحتجّين , في هذه الفترة تحديداً التي لا نعلم كيف و متى ستنتهي تتعامل أمريكا بوجهها الحقيقي المُدافع عن مصالحها حتى الموت غير آبهة لصورتها الديموقراطية التي عملت على تسويقها و ترسيخها بشتى أنواع الطرق فالمال هو سيد القرار و مُحركه الفعلي .
المُتابع للمشهد الأمريكي يجد بأن ترامب لا يختلف في طريقة تعاطيهِ مع الاحتجاجات عن أي دكتاتور أو مستبد يهتف شعبه ضد قراراته و سياساته , فالخلطة التي يُحضّرها المُستبد لمواجهة التظاهرات هي مزيج من الدين و السلاح و هما المكونان اللذان استعملهما ترامب منذ بداية الاحتجاجات عن طريق إنزال الجيش للشوارع و قمع المتظاهرين الغير محدود بشتى الطرق و استعمل ترامب الدين أيضا عندما تحدّى المتظاهرين محاطاً بالحراسة المشددة و ذهب إلى كنيسةٍ قريبة من البيت الابيض اعتاد الرؤساء على زيارتها بعد أن خرج من ملجأه و حمل الإنجيل ليصدّر صورة المُدافع عن الدين و لكي يكسب تعاطف الامريكين المسيحين و يُثنيهم عن التظاهر ضده .
في الحقيقة أثبت ترامب بأن الديموقراطية في أمريكا صُورية للتسويق للصورة الحضارية لا أكثر فإن كانت الديموقراطية تؤثر على الاقتصاد أو المنصب فلا بد من قمعها و مواجهتها , بالتأكيد هنالك فئة من المتظاهرين اغتنموا فرصة الفوضى لتحقيق مكاسب عن طريق سرقة للمحال التجارية أو التكسير و التخريب لإشباع رغبة العنف لكن كان بإمكان النظام الأمريكي السيطرة عليها و عدم خلط المسالم بالمخرب لأنه عندما يرى المتظاهر السلمي بأن النظام يعامله معاملة المخرب يتحول لا إراديا لمخرب يصطاد الفرص أيضا لاقتناعه بأنه في النهاية سيقمع و يحاسب حاله كحال المجرم .
السياسة الأمريكية في عهد ترامب بالتحديد تتعامل بطريقة همجية و غير مدروسة إن كان على صعيد ازمة كورونا أو بإتباع اسلوب التهديد مع الحليف قبل العدو أو مؤخرا مع المتظاهرين , و تأتي هذه المظاهرات لتؤكد عدم أهلية ترامب لقيادة إمريكا لعهدة ثانية فالاربع سنوات التي حكمها يجب أن تكون كفيلة بأن تُظهر للشعب الأمريكي بأن ترامب اقتصادي ناجح لكنه في مضمار السياسة فاشل بدرجة امتياز .